تسلط الحرب في أوكرانيا والصراع بين إسرائيل وحماس الضوء على كيفية تأثير التطورات الجيوسياسية في تشكيل الأداء الاقتصادي العالمي، خاصة مع تصاعد التوترات نتيجة الهجمات الصاروخية من الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، ودخول حزب الله إلى الحرب رسميًا بعد الغزو البري للقوات الإسرائيلية لمدن وقرى في جنوب لبنان. هذه الأزمات تعكس دور الجغرافيا السياسية كعامل رئيسي في الاقتصاد العالمي عامي 2024 و2025.
علاوة على ذلك، من المتوقع أن تلعب الانتخابات التي تجرى في العديد من الدول دورًا حاسمًا في توجيه الاقتصاد العالمي. مع اقتراب 64 دولة من موعد الانتخابات، سيكون التأثير ملحوظًا من خلال احتمالية تغييرات في سياسات التجارة والاستثمار، إضافة إلى تصاعد عدم اليقين والاستقطاب السياسي.
فمع اقتراب الانتخابات، واستمرار الحروب في أوروبا والشرق الأوسط، تبقى المخاوف المتعلقة بالجغرافيا السياسية في صميم اهتمامات المتداولين عند وضعهم خططهم المالية. وفهم هذه الديناميكيات أمر بالغ الأهمية للتكيف مع التحديات الاقتصادية القادمة.
يشهد العالم توترات عسكرية متزايدة، حيث تصاعدت الحرب الروسية الأوكرانية، مؤدية إلى صراع ممتد على الأراضي والموارد، مع تداعيات عالمية واسعة.
في الشرق الأوسط، اندلعت اشتباكات عنيفة بين إسرائيل وحركة حماس، حيث تفاقمت الأوضاع منذ أكتوبر 2023، مما أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح. بالتوازي، تصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل، مع مواجهات مباشرة تشمل غارات جوية وعمليات انتقامية، مما يعكس توترًا إقليميًا مستمرًا.
بالإضافة إلى ذلك، زادت الاشتباكات بين إسرائيل وحزب الله، حيث تداخلت الأبعاد السياسية والعسكرية في الصراع. تمثل هذه النزاعات تحديات كبيرة للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
بدأت الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2014 بعد ثورة الكرامة في أوكرانيا، التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش. عقب ذلك، احتلت روسيا شبه جزيرة القرم وضمّتها، ودعمت الانفصاليين في منطقة دونباس، مما أدى إلى نشوب صراع مسلح. في أبريل من نفس العام، أعلن الانفصاليون عن استقلالهم، مما عمق النزاع الذي شهد حوادث بحرية وحربًا إلكترونية.
في فبراير 2022، شنت روسيا غزوًا واسع النطاق لأوكرانيا، مبررة ذلك بـ"عملية عسكرية خاصة" تهدف إلى "نزع السلاح والنازية" من البلاد. هذا الغزو أسفر عن أكبر صراع عسكري في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، مما أدى إلى أزمة إنسانية ضخمة وارتفاع عدد القتلى واللاجئين.
منذ بداية النزاع، كانت هناك عدة محاولات لوقف إطلاق النار، لكن معظمها فشل في تحقيق سلام دائم. ورغم توقيع اتفاقيات مينسك، استمر القتال بشكل عنيف ومتصاعد. منذ عام 2021، قامت روسيا بحشد قوات كبيرة قرب الحدود الأوكرانية، مما أثار المخاوف من غزو شامل، وهو ما تحقق في 2022.
على الصعيد الدولي، واجهت روسيا ردود فعل قوية، حيث فرضت العديد من الدول عقوبات اقتصادية صارمة عليها وقدمت مساعدات إنسانية وعسكرية لأوكرانيا. ومع ذلك، وبالرغم من المقاومة الأوكرانية، تمكنت روسيا من السيطرة على بعض الأراضي، لكنها فشلت في الاستيلاء على كييف.
في سبتمبر 2022، أعلنت روسيا ضم أربع مناطق محتلة جزئيًا، مما أدى إلى مزيد من الإدانة الدولية. كما أدت العمليات العسكرية إلى تصعيد الهجمات الأوكرانية داخل الأراضي الروسية، مما يشير إلى تصاعد التوترات.
هذا الصراع لا يزال يشكل تحديًا كبيرًا للأمن الأوروبي والعالمي، ويعكس تعقيدات العلاقات الجيوسياسية في المنطقة. إضافة إلى ذلك، فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقات في جرائم الحرب، وأصدرت أوامر اعتقال بحق عدد من المسؤولين الروس، بما في ذلك بوتن، مما يعكس عدم التسامح مع الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي.
مع استمرار القتال، تبقى تداعيات هذه الحرب على الاقتصاد العالمي واستقرار المنطقة في بؤرة الاهتمام، مما يستدعي مراقبة دقيقة للأحداث وتفكير استراتيجي حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة المتطورة.
بدأ الصراع المسلح بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، بقيادة حماس، في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023. تُعتبر هذه الحرب الخامسة في سلسلة الصراعات بين غزة وإسرائيل منذ عام 2008، وهي الأهم منذ حرب أكتوبر عام 1973، كما تُعد الأكثر دموية للفلسطينيين في تاريخ هذا الصراع.
انطلقت الحرب بهجوم مفاجئ شنته حماس، حيث أطلقوا وابلًا من الصواريخ واخترق آلاف العناصر الحدود بين غزة وإسرائيل، مستهدفين القواعد العسكرية الإسرائيلية. خلال هذا الهجوم، قُتل ما يصل إلى 1195 إسرائيليًا ومواطنًا أجنبيًا، وتم أسر ما يصل إلى 251 إسرائيليًا وأجنبيًا، بهدف الضغط على إسرائيل لإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين. وقالت حماس أن هجومها كان ردًا على الاحتلال الإسرائيلي المستمر والحصار المفروض على غزة، بالإضافة إلى التهديدات الخاصة بالمسجد الأقصى.
ومن جانبها، شنت إسرائيل واحدة من أكثر حملات القصف تدميراً في تاريخها، وغزت غزة في 27 أكتوبر، مع هدف معلن هو تدمير حماس وتحرير الرهائن. منذ بدء الغزو، قُتل أكثر من 43 ألف فلسطيني في غزة، نصفهم تقريبًا من النساء والأطفال. أدت الأضرار الكبيرة والقيود المفروضة إلى تدمير نظام الرعاية الصحية، وتهديد مجاعة وشيكة.
وبحلول أوائل عام 2024، دمرت القوات الإسرائيلية أو ألحقت الضرر بأكثر من نصف منازل غزة، وثلاثة أرباع الأراضي الزراعية، ومعظم المؤسسات التعليمية والثقافية. كما تم تهجير نحو 2.3 مليون فلسطيني، بالإضافة إلى أكثر من 100,000 إسرائيلي.
تتواصل تداعيات الحرب على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث شهدت العديد من الدول احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تدعو إلى وقف إطلاق النار. تنظر محكمة العدل الدولية في قضايا تتعلق باتهامات إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة. بينما تقدم الولايات المتحدة دعماً عسكرياً كبيراً لإسرائيل، حيث استخدمت حق النقض ضد العديد من قرارات وقف إطلاق النار في مجلس الأمن.
علاوة على ذلك، هاجمت مجموعات من محور المقاومة قواعد عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، وشنت حركة الحوثيين اليمنية هجمات في البحر الأحمر على سفن يُزعم أنها مرتبطة بإسرائيل، مما أدى إلى رد عسكري أمريكي.
تستمر هذه الحرب في تشكيل مشهد معقد يتجاوز الحدود، مع احتمالية لتفجر الأوضاع أكثر، مما يهدد استقرار المنطقة بشكل عام.
تجددت الاشتباكات بين إسرائيل وجماعة حزب الله اللبنانية المسلحة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية ومرتفاعات الجولان المحتلة منذ 8 أكتوبر 2023. يُعد هذا الصراع جزءًا من تصعيد مستمر في الحرب بين إسرائيل وحماس، ويعتبر أكبر مواجهة عسكرية بين حزب الله وإسرائيل منذ حرب لبنان عام 2006.
انطلقت الأحداث في 8 أكتوبر عندما شن حزب الله هجومًا بإطلاق صواريخ موجهة وقذائف مدفعية على مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا، مؤكدًا أن ذلك يأتي تضامنًا مع الفلسطينيين بعد الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل والقصف الإسرائيلي على غزة. ردت إسرائيل بشن غارات بطائرات مسيرة وقذائف مدفعية على مواقع حزب الله القريبة من الحدود.
أدى هذا الصراع إلى نزوح حوالي 96,000 شخص في شمال إسرائيل، ونزوح أكثر من 1.4 مليون شخص في لبنان. وأكد حزب الله أنه لن يوقف عملياته الهجومية ضد إسرائيل ما لم تتوقف الأخيرة عن قصف غزة. في الفترة من 21 أكتوبر 2023 إلى 20 فبراير 2024، سجلت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) نحو 7948 حادثة إطلاق نار من إسرائيل إلى لبنان و978 حادثة في الاتجاه المعاكس.
مع بداية سبتمبر 2024، شهدت الأوضاع تصعيدًا ملحوظًا، حيث استهدفت انفجارات حزب الله في لبنان، والتي نُسبت بشكل واسع إلى إسرائيل، مما أسفر عن مقتل 42 شخصًا وإصابة الآلاف. في 23 سبتمبر، أطلقت إسرائيل حملة قصف جوي تحت اسم "عملية سهام الشمال"، مستهدفة كبار قادة حزب الله. كان اليوم الأول من هذه الحملة الأكثر دموية، حيث قُتل فيه 558 شخصًا، بينهم أطفال ونساء ومسعفون.
في 27 سبتمبر، استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية المقر الرئيسي لحزب الله في بيروت، مما أدى إلى مقتل زعيم الحزب حسن نصر الله. وفي 1 أكتوبر، بدأ الجيش الإسرائيلي غزو جنوب لبنان، الذي وصفته بعض المصادر بحسب ويكيبيديا، بأنه "حرب لبنان الثالثة". وأكدت إسرائيل أنها كانت تنفذ عمليات سرية في لبنان منذ عدة أشهر.
في عام 2024، تصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل إلى مواجهات مباشرة، مما أدى إلى توترات متزايدة بين البلدين. في الأول من أبريل، استهدفت إسرائيل مجمع قنصلية إيرانية في دمشق، مما أسفر عن مقتل عدد من كبار المسؤولين الإيرانيين. ردًا على هذا الهجوم، استولت إيران وحلفاؤها في محور المقاومة على السفينة MSC Aries المرتبطة بإسرائيل، وشنوا ضربات داخل الأراضي الإسرائيلية في 13 أبريل.
تبع ذلك تنفيذ إسرائيل لعمليات انتقامية في إيران وسوريا في 19 أبريل، والتي وُصفت بأنها محدودة وتهدف إلى تقليل التصعيد. رغم ذلك، لم ترد إيران بشكل فوري، مما أعاد الصراع إلى حالة من التوتر المتقطع.
دخلت دول أخرى على خط الصراع، حيث اعترضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والأردن طائرات مسيرة إيرانية للدفاع عن إسرائيل. كما قامت سوريا بإسقاط بعض الطائرات الإسرائيلية الاعتراضية، بينما هاجم وكلاء إيران إسرائيل في عدة مناسبات.
تصاعدت التوترات مرة أخرى بعد اغتيال إسماعيل هنية، زعيم حركة حماس، في 31 يوليو في طهران. جاء مقتل هنية بعد ساعات من غارة جوية في حارة حريك بلبنان أسفرت عن اغتيال قائد حزب الله فؤاد شكر، مما زاد من حدة التوترات الإيرانية الإسرائيلية. في 1 أكتوبر، أطلقت إيران سلسلة من الصواريخ على أهداف إسرائيلية، مما أدى إلى رد عسكري من إسرائيل في 25 أكتوبر، حيث شنت هجمات انتقامية جديدة ضد إيران.
يعكس هذا التصعيد التوتر المستمر في المنطقة ويشير إلى عواقب قد تكون بعيدة المدى على العلاقات الإقليمية والأمن القومي للدول المعنية، حيث يبقى المشهد السياسي والعسكري متقلب.
يواجه الاقتصاد العالمي في عام 2024 مجموعة من المخاطر الجيوسياسية الرئيسية الناجمة عن الصراعات والتوترات القائمة. تشمل هذه المخاطر تصاعد الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة وتأثيراته على النظام السياسي، والتوتر المتزايد بين إسرائيل وحماس الذي قد يؤدي إلى صراع أوسع في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تعميق الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
في الشرق الأوسط، يتزايد خطر اندلاع حروب إقليمية أكبر، خاصة مع الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، مما يرفع أسعار التأمين على الشحن ويؤثر على سلاسل التوريد. في أوكرانيا، تزداد المخاوف من تقسيم البلاد وظهور تحديات اقتصادية، حيث تعاني أوكرانيا من نقص القوى العاملة في مواجهة القدرات الروسية المتنامية.
إلى جانب هذه الصراعات، يواجه الاقتصاد العالمي تحديات إضافية تشمل تأثيرات الذكاء الاصطناعي غير المنظم وزيادة الحمائية. كما أن التعاون بين الدول المارقة والنكسات في النمو الصيني يضيفان أبعادًا جديدة للمخاطر. كل هذه العوامل تشير إلى احتمال نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي دون المستوى، مما يزيد من خطر انكماش اقتصادي أعمق بسبب الضغوط الجيوسياسية والمالية.
يكشف استطلاع رأي بنك جي بي مورجان عن مخاوف عديدة تواجه المستثمرين في عام 2024 و2025، مع التركيز على العلاقة بين الأحداث الجيوسياسية وعائدات السوق. بينما يصعب دائمًا تحديد هذه العلاقة بشكل دقيق، يظهر تحليل أكثر من 80 عامًا من البيانات أن التأثيرات الجيوسياسية غالبًا ما تكون غير دائمة بالنسبة لعوائد الأسهم الكبرى.
ومع ذلك، يتضح أن المخاوف الجيوسياسية تؤثر بشكل كبير على الأسواق المحلية. على سبيل المثال، شهدت الأسهم الألمانية ذات القيمة السوقية الصغيرة تقلبات ملحوظة، كما تأثرت أسعار العقارات في هونج كونج مقارنة بسنغافورة بفعل الأزمات السياسية. كذلك، أثبت الذهب تاريخيًا كأحد أفضل التحوطات ضد المخاطر الجيوسياسية.
بالإضافة إلى ذلك، نلاحظ الصعود المتزايد لمجموعة البريكس، التي كانت تضم تقليديًا البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، لكنها توسعت الآن لتشمل مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة، مما يشير إلى إمكانية تغيير التوازنات العالمية. يمكن أن يؤدي هذا الانقسام المحتمل بين مجموعة الدول السبع الكبرى ومجموعة البريكس+ إلى تأثيرات جادة على الدولار الأميركي، الذي لا يزال يحتفظ بمكانته كعملة احتياطية عالمية.
في ضوء هذه الديناميكيات، يجب على المستثمرين مراقبة الأحداث الجيوسياسية وتغيرات القوة الاقتصادية بعناية، حيث يمكن أن تؤثر هذه العوامل بشكل كبير على استراتيجيات الاستثمار وقرارات السوق في العام المقبل.
تؤثر الجغرافيا السياسية بشكل عميق على الأداء الاقتصادي من خلال عدة قنوات معقدة. فهي تشمل العوامل التي تؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي، مثل التوترات العسكرية والتهديدات، والتي يمكن أن تعرقل الأنشطة الاقتصادية. في الأسواق المالية، يمكن أن تؤدي العقوبات المالية وزيادة عدم اليقين إلى تقلبات كبيرة وارتفاع أسعار الأصول، مما يؤثر سلبًا على الاستثمارات.
أما على صعيد التجارة، فإن القيود الناجمة عن التوترات بين الدول قد تعطل سلاسل التوريد وتؤدي إلى نقص في الموارد الأساسية، مثل النفط والغاز، مما يؤثر على الإنتاج الصناعي عالميًا. هذه العوامل مجتمعة يمكن أن تؤدي إلى تضخم أعلى ونمو اقتصادي أقل، مما يزيد من خسائر الرفاهة في أوقات الأزمات الجيوسياسية.
كما تلعب السياسات الداخلية دورًا حاسمًا في التأثير على الأداء الاقتصادي. الحكومات التي تتبنى سياسات شعبوية قد تحقق فوائد قصيرة الأجل، لكنها غالبًا ما تعطل النمو المستدام وتزيد من تقلبات السوق. الدراسات تشير إلى أن الحكومات الشعبوية تؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي ونمو الفرد على المدى الطويل، مما يزيد من عدم الاستقرار السياسي.
بالتالي، فإن الأداء الاقتصادي الجيد يعزز من موقف القادة الحاليين، بينما تؤدي النتائج الاقتصادية السلبية إلى استياء شعبي وزيادة الإقبال على الأحزاب الشعبوية. هذه الديناميكيات توضح كيف يمكن أن تتداخل السياسة والاقتصاد، مما يشكل مستقبل الدول وتوازن القوى في النظام الدولي.
تعد مهمة قياس المخاطر الجيوسياسية معقدة، ولكن يمكن تحقيقها من خلال استخدام مؤشرات مثل مؤشر المخاطر الجيوسياسية (GPR). يعتمد هذا المؤشر على تحليل تواتر المقالات في الصحف الرائدة التي تتناول الأحداث السلبية مثل الحروب والإرهاب والتوترات السياسية. القيم الأعلى لمؤشر GPR تشير إلى زيادة شدة هذه الأحداث واحتمالية حدوثها مستقبلاً.
تشير الأبحاث إلى أن ارتفاع قيم المؤشر يرتبط بزيادة أسعار النفط، وانخفاض الاستثمارات على مستوى الشركات والدول، وارتفاع التضخم، وانخفاض النشاط الاقتصادي والتجارة. كما يعكس المؤشر تقلبات أكبر في تدفقات رأس المال وانخفاض مستويات الائتمان في الأسواق الناشئة.
يوضح الشكل بالأعلى تطور مؤشر GPR منذ عام 1985، حيث يبرز ارتباطه الوثيق بالأحداث التاريخية مثل حرب الخليج، وهجمات 11 سبتمبر، وغزو روسيا لأوكرانيا. كما شهد المؤشر زيادة ملحوظة مع تجدد الصراع بين إسرائيل وحماس في أكتوبر 2023، ورغم تراجعه قليلاً بعد ذلك، إلا أنه لا يزال ضمن أعلى 5% من السلسلة التاريخية، مما يدل على استمرار المخاطر الجيوسياسية وتأثيرها المحتمل على الاقتصاد العالمي.
على الرغم من فوائد مؤشر المخاطر الجيوسياسية في تتبع تطور المخاطر على مر الزمن، إلا أنه يعاني من بعض القيود كمقياس لهذه المخاطر.
يفتقر المؤشر إلى الاستشراف المستقبلي، مما يحد من قدرته على التنبؤ بالتطورات المحتملة في المخاطر.
بصفته مقياسًا مجمعًا، لا يستطيع المؤشر التمييز بين أنواع المخاطر المختلفة، والتي تمتلك احتمالات تأثير مميزة.
يفتقر المؤشر إلى القدرة على التقاط التعقيدات ومصادر المخاطر المستمرة.
لذلك، يلجأ محللو المخاطر غالبًا إلى تكملة استخدام مؤشر المخاطر الجيوسياسية بالتحليل النوعي، والتشاور مع الخبراء، بالإضافة إلى التقييمات القائمة على الاحتمالات وتحليل السيناريوهات، مما يوفر تقييمات مخاطر أكثر ديناميكية وتخصيصًا.
قد تؤثر الانتخابات والمخاطر السياسية بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، خاصة في عامي 2024 و2025، حيث من المتوقع أن يصوت أكثر من نصف سكان العالم في انتخابات محلية ودولية. بينما قد يكون لبعض الانتخابات تأثيرات محلية أو إقليمية محدودة، مثل تلك في إندونيسيا والمكسيك، فإن انتخابات أخرى مثل انتخابات الهند وروسيا قد تؤدي إلى نتائج متوقعة.
من جهة أخرى، الانتخابات في مناطق مثل تايوان وإيران يمكن أن تؤثر بشكل كبير على السياسة الخارجية، مما يؤثر على العلاقات الدولية وأسعار السلع الأساسية. كما أن الانتخابات الأوروبية المقبلة قد تحدد مسار التكتل في ظل تزايد اليمين المتطرف.
بينما تُعتبر الانتخابات الأمريكية الأكثر تأثيرًا على التوقعات الاقتصادية العالمية، فإن عودة الرئيس السابق دونالد ترامب قد تؤدي إلى ضغوط متزايدة على الاحتياطي الفيدرالي وفرض سياسات مالية غير تقليدية، مما قد يعرقل جهود تقليص التضخم. كما أن فرض تعريفات جمركية على السلع المستوردة قد يؤدي إلى تعطيل سلاسل التوريد ويؤثر على الناتج المحلي الإجمالي ورفاهية الأسر الأمريكية.
علاوة على ذلك، فإن موقف ترامب بشأن قضايا السياسة الخارجية قد يغير ديناميكيات القوة العالمية، مما يزيد من عدم الاستقرار السياسي في الولايات المتحدة ويؤثر على ثقة المواطنين في المؤسسات.
بينما تمثل التهديدات الجيوسياسية واقعًا مؤلمًا، فإن هناك نتائج إيجابية يجب أخذها في الاعتبار.
أولًا، أظهرت الاقتصادات الكبرى مرونة ملحوظة خلال واحدة من أكثر فترات تشديد السياسة النقدية شدة منذ عقود.
ثانيًا، قد يشهد الاقتصاد الصيني انتعاشًا أسرع مما كان متوقعًا.
ثالثًا، رغم المخاطر الناتجة عن تأخر التنظيم الحكومي، فإن التطورات في الذكاء الاصطناعي قد تسهم في تحقيق ابتكارات كبيرة وزيادة الإنتاجية.
رابعًا، لم تؤد الأزمات في الشرق الأوسط إلى ارتفاع أسعار النفط حتى الآن، مما يعكس استقرارًا نسبيًا.
مع ذلك، تثير هذه المخاطر السؤال حول الحاجة لإصلاح الإطار الاقتصادي الكلي الحالي لتلبية التحديات العالمية بشكل أكثر فعالية. يشمل الإطار الحالي حرية حركة السلع ورأس المال، سياسات مالية قائمة على القواعد، استقلالية البنوك المركزية مع التركيز على استهداف التضخم، بالإضافة إلى المؤسسات العامة التي تعزز الاستقرار المالي.
بينما قد يكون التخلي عن هذا الإطار غير مرغوب، فإن الإصلاحات التدريجية أصبحت ضرورية لمواجهة المخاطر المتزايدة، مثل التفكك في الأسواق العالمية والمخاطر المناخية. يجب أن تشمل هذه الإصلاحات تصميم تفويضات أكثر مرونة للبنوك المركزية، وتجديد المؤسسات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية، وتحسين آليات بناء الإجماع بين الدول.
في تحليل جي بي مورجان لأداء سوق الأسهم بعد الأحداث الجيوسياسية، نلاحظ أن النتائج تشير إلى تباين واضح في العوائد.إذ يتم تقييم أداء السوق في ثلاثة، ستة، واثني عشر شهرًا بعد الحدث، مقارنة بفترات خالية من الأحداث الجيوسياسية. نجد أن السوق يميل إلى تحقيق عوائد أقل من المتوسط في الأشهر الثلاثة التي تلي الحدث. لكن، في الأشهر التالية، تتقارب العوائد لتصبح مماثلة لتلك التي شهدتها الفترات الهادئة، مما يعني أن تأثير الحدث يختفي بمرور الوقت بالنسبة للمستثمر العادي.
ومع ذلك، هناك استثناءات بارزة حيث يمكن أن تترك الأحداث الجيوسياسية أثرًا دائمًا على عوائد الأسهم. أحد أبرز هذه الأحداث كانت صدمة أسعار النفط في عام 1973، التي تسببت في انخفاض حاد لعائدات السوق على مدار العام. التأثير الناتج عن هذه الصدمة كان مستدامًا، حيث أدت الظروف الاقتصادية، مثل الركود التضخمي، إلى تقليل كفاءة الاقتصاد الأمريكي.
في حرب أكتوبر 1973، قررت الدول العربية المصدرة للنفط، بقيادة منظمة أوبك، فرض حظر نفطي كوسيلة للضغط على الدول الداعمة لإسرائيل، خاصة الولايات المتحدة. كان الهدف من هذا القرار هو مواجهة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.
بدأ الحظر في 17 أكتوبر 1973 واستمر حتى 18 مارس 1974، مما أدى إلى تغييرات كبيرة في أسواق النفط والاقتصاد العالمي.
يعتبر حظر النفط العربي أو ما سمي بصدمة النفط في عام 1973 من الأحداث الجيوسياسية التي تركت أثرًا دائمًا على عائدات الأسهم، وذلك لعدة أسباب. في ذلك الوقت، كان هناك نقص ملحوظ في إمدادات النفط، مما أدى إلى "ركود تضخمي"، حيث ارتفعت الأسعار بينما تدهورت مستويات الإنتاجية. أعاق هذا الوضع كفاءة الاقتصاد الأمريكي في السبعينيات، مما أسفر عن انخفاض حاد في العوائد السوقية.
على النقيض، تأثرت الأسواق العالمية بشكل أقل حدة بعد غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022. على الرغم من الصدمة التي أحدثتها في أسواق الطاقة، إلا أن التدفقات السريعة للإمدادات النفطية الإضافية ساهمت في تقليل التأثير الاقتصادي السلبي. وهذا يعني أن الأسواق استطاعت التكيف بشكل أسرع مع الظروف الجديدة.
بالتالي، يكشف هذا الفارق بين الحالتين عن أهمية مرونة الإنتاج وقدرة الاقتصادات الحديثة على التعافي من الأزمات الجيوسياسية، مما يجعل التأثيرات أقل استدامة مقارنة بالماضي.
في المقابل، كان تأثير غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022 أقل حدة، وذلك بفضل قدرة الولايات المتحدة على زيادة إنتاج النفط بسرعة من خلال تقنيات مثل التكسير الهيدروليكي للصخر الزيتي. في السبعينيات، كانت الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على نفط الشرق الأوسط، مما جعلها أكثر عرضة للتقلبات في أسعار النفط. اليوم، ومع وجود إنتاج محلي مرن ووفير، فإن الاقتصاد يمكن أن يتكيف بشكل أفضل مع الصدمات الجيوسياسية.
باختصار، فبينما يمكن أن تؤثر الأحداث الجيوسياسية على الأسواق في الأجل القصير، إلا أن الاستجابة السوقية على المدى الطويل تعتمد بشكل كبير على العوامل الهيكلية، مثل قدرة الإنتاج المحلي ومرونة الاقتصاد. لذلك، من الضروري للمستثمرين أن يتابعوا هذه الديناميكيات بعناية لضمان اتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة.
توضح الأمثلة التاريخية أن العديد من الأحداث الجيوسياسية تؤثر بشكل كبير على سوق الأوراق المالية على المدى القصير، في حين تختلف التأثيرات طويلة المدى بناءً على طبيعة الحدث وشدته. لنلقِ نظرة على أداء مؤشر S&P 500 بعد بعض الأحداث البارزة في القرن الماضي:
الحدث | التاريخ | الأداء في اليوم الأول | التأثير الإجمالي |
غزو العراق للكويت | 8/2/1990 | -1.1% | -16.9% |
هجمات 11 سبتمبر | 9/11/2001 | -4.9% | -11.6% |
تفجيرات لندن | 7/5/2005 | 0.9% | 0.0% |
تفجيرات ماراثون بوسطن | 4/15/2013 | -2.3% | -3.0% |
حرب روسيا وأوكرانيا | 2/17/2022 | -2.1% | -6.8% |
حرب إسرائيل وحماس | 10/7/2023 | 0.3% | -4.5% |
غالبًا ما تكون الاستجابة الأولية لسوق الأسهم تجاه الأحداث الجيوسياسية غير المتوقعة شديدة، حيث يمكن أن يستمر الانخفاض لبضعة أيام أو أسابيع بينما يقيّم المستثمرون المخاطر. ومع ذلك، على المدى الطويل، تميل الأسواق إلى التعافي، وغالبًا ما تحقق مستويات مرتفعة جديدة في السنوات التي تلي الحدث.
تُظهر ردود الفعل الأولية للسوق يمكن أن تكون قاسية، ولكن التاريخ يبيّن أيضًا قدرة الأسواق على التعافي والنمو بعد الأزمات. لذلك، من المهم أن يحافظ المستثمرون على رؤية طويلة الأمد وعدم اتخاذ قرارات استثمارية متسرعة في أوقات الأزمات.
اقرأ أيضًا: كيفية تداول الأسهم، المضاربة في الأسهم للمبتدئين
تاريخياً، كانت هناك علاقة عكسية بين أسعار الذهب والعائدات الحقيقية على سندات الخزانة الأمريكية، حيث كانت انخفاضات العائدات الحقيقية تؤدي إلى ارتفاع أسعار الذهب. يُعتبر الذهب كأصل لا يولد دخلًا، مما يجعل العائدات الحقيقية تعكس تكلفة الفرصة البديلة لامتلاكه.
ومع ذلك، منذ عام 2022، تغيرت هذه العلاقة بشكل كبير. فقد جمدت الولايات المتحدة وحلفاؤها احتياطيات النقد الأجنبي لروسيا عقب الحرب في أوكرانيا، مما أدى إلى تحول عميق في استراتيجيات الاستثمار. أصبحت معظم احتياطيات روسيا بالدولار الأمريكي، ونتيجة لذلك، ازداد الطلب العالمي على الذهب كملاذ آمن. حيث بدأت البنوك المركزية في تنويع استثماراتها في الذهب، معتبرةً إياه "غير قابل للعقوبة"، بغض النظر عن تقلبات أسعار الفائدة.
أدى هذا التغير إلى انكسار الارتباط التقليدي بين عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات وأسعار الذهب. حيث شهد الطلب العالمي على الذهب من قبل البنوك المركزية ارتفاعاً ملحوظاً منذ عام 2022.
يُظهر تحليل ديناميكيات أسعار الذهب أن الصدمات الجيوسياسية قد تؤدي عادةً إلى تقلبات قصيرة الأجل في أسعار الأسهم والسندات السيادية، لكن الذهب غالبًا ما يعمل كأداة تحوط فعالة ضد هذه المخاطر. في فترات عدم الاستقرار، يُعتبر الذهب واحدًا من أفضل الخيارات للتحوط ضد المخاطر الجيوسياسية، إلى جانب النفط والدولار الأمريكي.
بذلك، أصبح الذهب أداة استراتيجية قوية، تعكس تحولًا في كيفية تعامل المستثمرين مع المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية العالمية.
اقرأ أيضًا: إدارة المخاطر في التداول.. ما هي وكيف تتقنها؟
تظل المخاوف بشأن التداعيات الاقتصادية العالمية قائمة بسبب الترابط بين الاقتصاديات. على سبيل المثال، توفر روسيا حوالي 10% من إنتاج النفط العالمي، وقد نفذت تخفيضات في الإمدادات بالتنسيق مع منظمة أوبك+ بدءًا من عام 2023، لكنها تعتزم زيادة الإنتاج بحلول أواخر عام 2024.
التأثير على أوروبا كبير؛ فقبل الحرب، كانت روسيا تزود أوروبا بحوالي ثلث الغاز الطبيعي وربع وارداتها من النفط الخام. وقد ساهم الشتاءان المعتدلان السابقان في تخفيف الطلب على الطاقة، لكن هذه الظروف قد تساهم في تفاقم التحديات الاقتصادية إذا واجهت أوروبا شتاءً قاسيًا آخر.
تاريخيًا، كانت الصراعات في الشرق الأوسط تؤدي إلى زعزعة استقرار أسواق النفط بشكل مؤقت، ورغم ذلك، يبقى التأثير الحالي ضئيلاً. كما أشار هوورث، فإن أسعار النفط اليوم في أدنى مستوياتها مقارنة بفترات سابقة.
اقرأ أيضًا: تداول النفط.. كيف تبدأ وما هي العوامل المؤثرة عليه
تؤثر الأحداث الجيوسياسية بشكل مختلف على عملات الفوركس، بناءً على الاعتماد الاقتصادي والسياسي لكل دولة. فيما يلي كيف تؤثر الأنواع المختلفة من الأحداث على العملات:
عملات الدول المصدرة للسلع الأساسية: مثل الدولار الأسترالي والدولار الكندي
هذه العملات حساسة جدًا للاضطرابات في أسواق السلع الأساسية والتجارة العالمية. أي تصعيد في التوترات الجيوسياسية قد يؤدي إلى مشاكل في سلسلة الإمداد، مما قد يؤدي إلى انخفاض قيمة هذه العملات بسبب انخفاض الطلب على صادرات السلع الأساسية.
عملات الأسواق الناشئة: مثل البيزو المكسيكي والروبية الهندية
ينظر المتداولون إلى عملات الأسواق الناشئة كأصول أكثر خطورة. عندما تحدث اضطرابات جيوسياسية، يميل المتداولون إلى التخلص من هذه العملات، مما يؤدي إلى انخفاض قيمتها. على سبيل المثال، عملات مثل البيزو المكسيكي أو الروبية الهندية قد تتعرض لتقلبات حادة في أوقات عدم اليقين.
عملات منطقة اليورو: مثل اليورو
تتأثر العملات مثل اليورو تتأثر بالأحداث الجيوسياسية العالمية، ولكنها أيضاً تتأثر بالديناميكيات السياسية داخل الاتحاد الأوروبي. أي تطورات تؤثر على دول الأعضاء، مثل انتخابات أو أزمات سياسية، قد يكون لها تأثير كبير على اليورو. المتداولون بحاجة إلى تقييم العوامل العالمية والإقليمية معاً لفهم تحركات اليورو.
لقد شهد التاريخ العديد من الأحداث الجيوسياسية التي كان لها تأثير ملحوظ على سوق الصرف الأجنبي. إليك بعض الأمثلة البارزة:
1. الأزمة المالية العالمية (2007-2008):
تأثرت المملكة المتحدة بشدة من جراء الأزمة المالية، مما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني. كانت لهذا الانخفاض تداعيات عالمية، حيث أثر على الأسواق المالية وأسعار الصرف بشكل عام، مما خلق حالة من عدم اليقين في السوق.
2. كارثة فوكوشيما (2011):
بعد الزلزال والتسونامي في اليابان، واجهت البلاد أزمة نووية في فوكوشيما. أدى هذا الحدث إلى انخفاض قيمة الين الياباني في البداية، حيث تسببت الكارثة في مخاوف اقتصادية وبيئية كبيرة، لكنها لاحقًا أدت إلى زيادة الطلب على الين كملاذ آمن.
3. الحرب الأهلية السورية (منذ 2011):
أدت الأزمات السياسية والحرب الأهلية في سوريا إلى عدم استقرار في المنطقة، مما أثر على العملات المرتبطة بالاقتصادات المجاورة، مثل الليرة التركية والدينار الأردني. أدت حالة عدم اليقين الناجمة عن الصراع السوري، بالإضافة إلى تدفق اللاجئين والتحديات الاقتصادية، إلى تقلبات ملحوظة في قيمة الليرة التركية. خلال المراحل المكثفة من الصراع، خاصة في عام 2015، شهدت الليرة انخفاضًا مستمرًا مقابل الدولار الأمريكي.
4. البريكست وتفكك الاتحاد الأوروبي (2016):
أدى قرار المملكة المتحدة بالخروج من الاتحاد الأوروبي، المعروف باسم "بريكست"، إلى حالة من عدم اليقين الشديد بشأن الجنيه الإسترليني. بعد الاستفتاء، شهد زوج الجنيه الإسترليني/ الدولار الأمريكي تقلبات حادة، حيث انخفض الجنيه بشكل كبير في اليوم الذي اتضح فيه أن الأغلبية اختارت مغادرة الاتحاد الأوروبي. استمر هذا الانخفاض بسبب الشكوك حول شروط الخروج وتأثيرها المحتمل على الاقتصاد البريطاني.
5. التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين (2018):
كانت للتوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين تأثير كبير على أسواق الفوركس، خاصة على اليوان الصيني. من منتصف عام 2018 إلى أوائل عام 2020، شهد السوق تصاعدًا في التوترات بسبب فرض التعريفات الجمركية والتدابير الانتقامية. أدت هذه الأحداث إلى انخفاض قيمة زوج الدولار الأمريكي/ اليوان الصيني، مما عكس عدم اليقين في العلاقات التجارية بين البلدين.
6. الغزو الروسي لأوكرانيا (2022):
كان لهذا الحدث تأثير كبير على أسعار الطاقة والسلع الأساسية، مما أثر بدوره على العملات في جميع أنحاء العالم. ارتفع سعر الدولار الأمريكي بينما تراجعت عملات الدول المتضررة.
في أوقات عدم اليقين الجيوسياسي، تبرز بعض العملات كملاذات آمنة للمستثمرين. تلعب هذه العملات دورًا مهمًا في إعادة هيكلة المحافظ الاستثمارية. إليك أبرز العملات الآمنة:
1. الدولار الأمريكي: يُعتبر الدولار الأمريكي العملة الأساسية للملاذ الآمن. خلال فترات التوترات الجيوسياسية، يميل الدولار إلى الارتفاع بسبب النفوذ الاقتصادي العالمي للولايات المتحدة واستخدامه الواسع في التجارة والتمويل. يفضل المستثمرون الدولار كخيار آمن للحفاظ على قيمة أموالهم.
2. الين الياباني: يعتبر الين عملة ملاذ آمن تاريخيًا. يتمتع اليابان بسمعة قوية في الاستقرار الاقتصادي، مع سياسة نقدية متوقعة من بنك اليابان وفائض في الحساب الجاري. هذه العوامل تجعل الين جذابًا للمستثمرين في أوقات الأزمات.
3. الفرنك السويسري: يُعرف الفرنك السويسري بالاستقرار والحياد. تلتزم سويسرا بنظام مالي قوي ومستقر، مما يجعله خيارًا مفضلًا خلال الفترات المضطربة. غالبًا ما يرتفع الفرنك عندما تزداد حالة عدم اليقين عالميًا، مما يعكس الثقة في الاقتصاد السويسري.
تعمل هذه العملات كحائط صد ضد التقلبات الناجمة عن الأحداث الجيوسياسية، مما يساعد المستثمرين في حماية أصولهم. في ظل الظروف المتغيرة، تظل العملات الآمنة خيارًا استثماريًا مهمًا لتحقيق الاستقرار المالي.
تُعتبر المخاطر الجيوسياسية عاملًا مؤثرًا في زعزعة استقرار الأسواق المالية، حيث تزيد من حالة عدم اليقين وتؤثر سلبًا على التوقعات الاقتصادية. فمع توقع تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم، يتأثر أداء الشركات، مما يؤدي إلى:
1.انخفاض تقييمات الأسهم والسندات: قد يؤدي القلق بشأن ربحية الشركات إلى تقليل تقييماتها، وزيادة مخاطر الائتمان، مما يعزز ارتفاع أسعار الفائدة التي تفرضها البنوك على القروض. هذا التشديد في شروط التمويل يؤثر سلبًا على الشركات غير المالية.
2.زيادة عدم اليقين في الأسواق: تعزز التهديدات الجيوسياسية من حالة عدم اليقين، مما يقوض الثقة بين المستثمرين ويزيد من النفور من المخاطرة.
3. التفاعل مع المتغيرات المالية: تشير التقديرات إلى أن مؤشرات مثل يورو ستوكس 50 وVSTOXX تتفاعل بشكل ملحوظ مع المخاطر الجيوسياسية، حيث ينخفض الأول بنسبة 1% تقريبًا استجابة لصدمات جيوسياسية، بينما يرتفع الثاني بمقدار 1.5 نقطة.
4.عدم اليقين الاقتصادي: تؤدي الأحداث الجيوسياسية إلى تعطيل النشاط الاقتصادي، مما يثير المخاوف بشأن أرباح الشركات والتضخم وأسعار الفائدة. هذا عدم اليقين يضعف شهية المستثمرين للأصول الخطرة مثل الأسهم، ويعزز الاتجاه نحو الملاذات الآمنة. على سبيل المثال، التوترات في مضيق تايوان تؤدي إلى مخاوف بشأن انقطاع إمدادات أشباه الموصلات، مما يؤثر سلبًا على أسهم قطاع التكنولوجيا.
5. تقلب أسعار السلع الأساسية: تؤثر التوترات الجيوسياسية في المناطق الغنية بالموارد بشكل كبير على أسعار السلع الأساسية، وخاصة النفط والغاز. هذا يؤدي إلى آثار متتالية على القطاعات المعتمدة على هذه الموارد، مما يزيد من تكاليف الإنتاج ويؤثر على الإنفاق الاستهلاكي وربحية الشركات. على سبيل المثال، أدى الصراع في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الطاقة، مما يمثل تحديات كبيرة للشركات العالمية.
6.تقلبات العملة: تسهم الأحداث الجيوسياسية في تسريع تقلبات العملة، خاصة للدول المتضررة مباشرة. انخفاض قيمة العملات يمكن أن يؤدي إلى تضخم تكاليف الاستيراد، مما يقلل من القدرة التنافسية للصادرات ويعيق النمو الاقتصادي.
7.مشاعر المستثمرين: يضعف الخطر الجيوسياسي ثقة المستثمرين، مما يدفعهم إلى الهروب إلى الأمان. هذا الهروب يتجلى في تراجع الاستثمارات في الأصول الخطرة مثل الأسهم، والانتقال نحو الملاذات الآمنة مثل السندات والمعادن الثمينة. شهدت الأزمة المالية لعام 2008، التي تأثرت جزئيًا بالتوترات الجيوسياسية، تدفقًا كبيرًا للمستثمرين نحو الأمان.
مع تقلبات الأسواق، قد يسعى المستثمرون إلى تقليل الوزن المخصص للأصول الأكثر خطورة في محافظهم، مما يعكس سلوك "الهروب إلى الأمان". تظهر التقديرات الاقتصادية أن العائدات على الأصول الخطرة قد ترتفع في البداية، بينما تنخفض العائدات على الأصول الآمنة، مثل السندات السيادية الألمانية.
يتماشى هذا النمط مع ارتفاع قيمة الدولار الأميركي كعملة ملاذ آمن، مما يبرز دوره في الحماية من المخاطر الجيوسياسية المتزايدة.
تشير التحليلات إلى أن بعض المخاوف المرتبطة بالجغرافيا السياسية قد تكون مبالغ فيها، لكن من الضروري ألا يتجاهل المستثمرون هذه العوامل. بينما يُظهر التاريخ أن الأحداث الجيوسياسية لا تُحدث تأثيرات دائمة على الأسهم المتنوعة عالميًا، فإن تأثيرها على الأسواق المحلية قد يكون كبيرًا.
إذا كانت استثماراتك مركّزة بشكل كبير في أسواق معينة، مثل الأسهم في شركة صغيرة، فإن التنويع العالمي قد يكون خطوة حكيمة. يساعد ذلك في تقليل المخاطر المرتبطة بتقلبات السوق المحلية.
للمستثمرين الذين يسعون إلى التخفيف من التقلبات قصيرة الأجل الناتجة عن الصدمات الجيوسياسية، قد يكون من المنطقي إضافة استثمارات في الذهب والنفط إلى محفظتهم. تُعتبر هذه الأصول تحوطات فعالة، حيث يمكن أن توفر حماية إضافية في أوقات عدم الاستقرار.
باختصار، الاستعداد للتغيرات الجيوسياسية من خلال تنويع الأصول واستخدام التحوطات المناسبة يمكن أن يساعد في الحفاظ على استقرار محفظتك وزيادة فرص نجاح استثماراتك على المدى الطويل.
يمكن أن يكون التعامل مع الأحداث الجيوسياسية وتأثيرها على محفظتك تحديًا، لكن مع الاستراتيجيات الصحيحة، يمكنك حماية استثماراتك من المخاطر وتقلبات السوق. إليك بعض الخطوات الأساسية:
1.قاوم الرغبة في البيع: قد تؤدي الصدمات الناتجة عن الأحداث الجيوسياسية إلى الشعور بالذعر، لكن من المهم عدم بيع الأصول مثل الأسهم بشكل متسرع. التاريخ يُظهر أن تأثير الصراعات الدولية غالبًا ما يكون قصير الأمد، حيث تميل الأسواق إلى التعافي في غضون أشهر بعد الأزمات.
2.تنويع محفظتك: يعتبر التنويع عبر فئات الأصول المختلفة والقطاعات والجغرافيات استراتيجية فعالة لتقليل المخاطر. من خلال توزيع استثماراتك، يمكنك الحد من الاعتماد على أي ديناميكية سوقية واحدة، مما يخفف من آثار التقلبات.
3.الحفاظ على التركيز على المدى الطويل: رغم تقلبات السوق قصيرة الأجل، من الضروري التركيز على الأهداف الاستثمارية الطويلة الأجل. يساعدك هذا المنظور في تجنب الخسائر المؤقتة الناتجة عن البيع في أوقات عدم اليقين.
4.استخدام أدوات التحوط: يمكن أن تكون الاستثمارات في الذهب أو النفط بمثابة تحوطات فعالة ضد المخاطر الجيوسياسية.
5.متابعة الأخبار وتحليل السوق: البقاء على اطلاع بالتطورات العالمية يمكن أن يساعدك في اتخاذ قرارات مستنيرة.
6. التشاور مع مستشار مالي: يمكن أن يوفر لك المحترفون رؤى قيمة تناسب وضعك المالي الفريد.
بينما لا توجد استراتيجية تضمن القضاء التام على المخاطر الجيوسياسية، فإن هذه الأساليب يمكن أن تساعد في إدارة وتقليل آثارها السلبية المحتملة. تذكر أن كل مستثمر لديه وضع فريد، لذا تأكد من تخصيص هذه الاستراتيجيات لتلبية احتياجاتك وأهدافك المالية المحددة.
إن المخاطر الجيوسياسية تمثل تحدياً دائماً للأسواق المالية والمستثمرين. من خلال فهم قنوات التأثير الرئيسية واعتماد استراتيجيات مثل التنويع والتخطيط للسيناريوهات والتركيز على الأمد الطويل، يمكن للمستثمرين التنقل بمهارة في هذه البيئة المضطربة. يساعد ذلك في تعزيز محافظهم ضد الرياح الجيوسياسية المعاكسة، مما يعزز قرارات الاستثمار المستنيرة ويقلل من تأثير الصدمات غير المتوقعة. باختصار، الاستثمار الواعي والمستدام هو السبيل لمواجهة التحديات التي تطرحها الأحداث الجيوسياسية.
تؤدي التوترات الجيوسياسية إلى زيادة عدم اليقين، مما يؤثر سلبًا على ثقة المستثمرين. قد تتقلب الأسعار في الأسواق المالية، ويكون هناك تراجع في الطلب على الأصول الخطرة، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على الملاذات الآمنة مثل الدولار الأمريكي والين الياباني.
العملات التي تعتمد على صادرات السلع الأساسية مثل الدولار الأسترالي والدولار الكندي تكون حساسة للتوترات التجارية. كما تتأثر عملات الأسواق الناشئة بشكل كبير، حيث يميل المستثمرون إلى التخلص منها في أوقات عدم اليقين.
تؤدي الأزمات الجيوسياسية، خاصة في مناطق غنية بالنفط مثل الشرق الأوسط، إلى تقلبات كبيرة في أسعار النفط بسبب المخاوف من انقطاع الإمدادات. ارتفاع الأسعار يؤثر بدوره على الاقتصاد العالمي.