تشير تحليلات جان هاتزيوس، كبير الاقتصاديين في بنك جولدمان ساكس، إلى أن الدولار الأمريكي يواجه تحديات متراكمة قد تدفعه إلى مزيد من التراجع في المرحلة المقبلة.
ففي ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية، وعودة المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، يتعرض الدولار لضغوط متزايدة انعكست في انخفاضه بنسبة 8% منذ بداية عام 2025، من بينها 4.5% خلال شهر أبريل فقط، وهو ما يمثل أكبر تراجع شهري للعملة منذ أكثر من عامين.
التراجع ليس ظرفيًا: دلائل على تحول هيكلي في توجهات السوق
يرى هاتزيوس أن التراجع الحالي في قيمة الدولار لا يمثل مجرد حركة تصحيحية مؤقتة، بل قد يعكس تحولًا أعمق في موازين القوى الاقتصادية العالمية.
ويستند في توقعاته إلى سوابق تاريخية، لا سيما تجربتي منتصف الثمانينات وبداية الألفية الثانية، حين تراجعت العملة الأمريكية بنسب تراوحت بين 25% و30%، مدفوعة بعوامل مشابهة، مثل العجز التجاري المتضخم والتغير في شهية المستثمرين الأجانب نحو الأصول الأمريكية.
ضعف الدولار بين ضغطين: تضخم داخلي وركود خارجي
أحد أبرز التحديات الناجمة عن ضعف الدولار هو تأثيره على معدلات التضخم.
إذ يؤدي انخفاض العملة إلى رفع تكلفة الواردات، خاصة في ظل استمرار فرض الرسوم الجمركية على سلع رئيسية، مما يزيد الضغوط على أسعار المستهلكين.
في المقابل، فإن تراجع الدولار يسهم في تعزيز القدرة التنافسية للصادرات الأمريكية، ما قد يخفف من وطأة التباطؤ الاقتصادي من خلال تحفيز النشاط الصناعي والطلب الخارجي، في حال بقيت الأسواق العالمية قادرة على الاستيعاب.
التمويل الخارجي: نقطة ضعف محتملة في البنية المالية الأمريكية
على الصعيد المالي، حذر هاتزيوس من أن استمرار تراجع الاهتمام بالأصول الأمريكية من قبل المستثمرين الأجانب قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
وحاليًا، يمتلك المستثمرون غير الأمريكيين نحو 22 تريليون دولار من الأصول الأمريكية، نصفها تقريبًا في الأسهم، ما يجعل هذه الاستثمارات عرضة لتقلبات حادة بفعل تغيرات أسعار الصرف.
وفي ظل عجز الحساب الجاري الأمريكي البالغ 1.1 تريليون دولار سنويًا، فإن توقف أو تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية سيشكل ضغطًا مزدوجًا على الدولار والسيولة في الأسواق المالية الأمريكية.
الآفاق المستقبلية: نحو دورة هبوط جديدة؟
ختامًا، يشير تحليل جولدمان ساكس إلى أن انخفاض الدولار بنسبة 5% قد لا يكون سوى البداية، حيث توجد مؤشرات قوية على احتمال دخول العملة الأمريكية في دورة هبوط جديدة.
ويُعزى ذلك إلى تقاطع عوامل قصيرة وطويلة الأجل، منها السياسات النقدية المتغيرة عالميًا، والتحولات في اتجاهات الاستثمار الدولي، والضغوط الداخلية على النمو.
ويؤكد هاتزيوس أن التنبؤ بأسعار الصرف يظل من أصعب المهام الاقتصادية، غير أن السياق الحالي يوحي بأن الأسواق تتجه نحو إعادة تقييم موقع الدولار كعملة احتياط عالمية، وسط بيئة جيوسياسية أكثر تعقيدًا.