أعلن جيروم باول في ديسمبر الماضي إنتهاء دورة التشديد النقدي، وألمح إلى البدء في تخفيض أسعار الفائدة في وقت مبكر من عام 2024، بالتحديد في الربع الأول من هذا العام.
وتحسنت معنويات المستثمرين بشكل ملحوظ خلال الأسابيع القليلة الأخيرة، واتجهوا نحو الأصول ذات المخاطر العالية، وسط آمال اتجاه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى خفض الفائدة في مارس المقبل.
لكن بيانات التوظيف والقراءة الأخيرة لمؤشر أسعار المستهلك بالولايات المتحدة لشهر ديسمبر، والتي جاءت أقوى من التوقعات، حدت من هذا التفاؤل.
أظهرت البيانات الصادرة يوم الخميس الماضي، تسارع معدل التضخم في الولايات المتحدة بمعدل أكبر من المتوقع في ديسمبر الماضي، مما حد من توقعات الأسواق بشأن خفض أسعار الفائدة الأمريكية في مارس 2024.
وعاد التضخم السنوي في أمريكا للارتفاع، حيث سجل 3.4% في نهاية ديسمبر الماضي مقابل 3.1% في نوفمبر، في حين كانت توقعات السوق تشير إلى ارتفاعه لـ 3.2%.
وعلى أساس شهري، ارتفع معدل التضخم بنحو 0.3% في ديسمبر 2023، بعدما ارتفع بـ 0.1% في نوفمبر الماضي.
وبحسب الأرقام الرسمية، استقر مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي، الذي يستثنى أسعار الغذاء والطاقة، عند 0.3% في ديسمبر على أساس شهري، لكنه تباطأ على أساس سنوي حيث سجل 3.9%، مقارنة بـ 4% في نوفمبر.
وتسببت بيانات الوظائف الأخيرة في زيادة الغموض حول مستقبل أسعار الفائدة الأمريكية، ومسار السياسة النقدية.
كشفت البيانات نمو الوظائف غير الزراعية في الولايات المتحدة إلى 216 ألف وظيفة في ديسمبر الماضي، في حين كانت توقعات الأسواق تشير إلى تراجعها إلى 170 ألف وظيفة، مقابل 173 ألف وظيفة في نوفمبر.
دفعت تلك البيانات القوية إلى الحد من تفاؤل المستثمرين والأسواق بشأن بدء الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة في مارس المقبل، فهل سيضطر الفيدرالي لتأجيل قرار خفض الفائدة بالفعل؟.
أكدت رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس لوريلوجان، على ضرورة استئناف رفع أسعار الفائدة من أجل الحفاظ على التراجع الأخير في عوائد السندات الأمريكية طويلة الأجل، ولضمان عدم عودة التضخم للمستويات القياسية السابقة.
وأضافت أن الظروف المالية المتشددة ستساعد في التصدي للضغوط التضخمية، لذا فإن احتمال رفع سعر الفائدة مرة أخرى خلال الاجتماع القادم أمر لا يمكن استبعاده.
ويرى المحللون أن بيانات التضخم تعد مؤشرًا قويًا يعكس اتجاهات الاحتياطي الفيدرالي ويعتمد عليه صناع السياسة النقدية بالمجلس لاتخاذ قرارهم بشأن أسعار الفائدة.
وتوقع المحللون دخول الأسواق في موجة تضخم جديدة، في ظل استمرار التوترات في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الأزمة التي يشهدها النقل البحري في البحر الأحمر، وسط الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي اليمنية على السفن التابعة لإسرائيل.
وأدت تلك الهجمات إلى ارتفاع تكلفة شحن البضائع الت تخطت الـ 180% عن الطبيعي، هذا بجانب طول مدة الشحن.
ومؤخرًا، ارتفع عدد الشركات التي أعلنت إفلاسها ليصل إلى 55 ألف شركة في فرنسا، وأكثر من 6 آلاف شركة في الولايات المتحدة، ويوجد أكثر من 400 ألف شركة بالولايات المتحدة تطلب حماية من الإفلاس، وذلك بالتزامن مع موجة أخرى من الإفلاس وإضرابات العمال في القارة العجوز.
وتوقع أحد أعضاء الاحتياطي الفيدرالي أن يكون خفض الفائدة في الربع الثالث من العام الجاري، وليس الربع الثاني أو الأول كما تشير أغلب التوقعات حاليًا، مؤكدًا على ضرورة أن يكون المجلس أكثر هدوءًا في تقليل وتيرة الفائدة.
ويتوقع البعض استمرار صناع السياسة النقدية بالاحتياطي الفيدرالي في تثبيت أسعار الفائدة في ظل الارتفاع الكبير في أسعار النفط والغاز الطبيعي، حيث إن أي زيادة جديدة في أسعار الفائدة ستؤدي إلى إعلان المزيد من الشركات إفلاسها وستزيد معدلات الديون، وبالتالي سيدخل الاقتصاد العالمي في حالة ركود تضخمي.
وفي ظل الظروف الاقتصادية الحالية، فمن المتوقع أن يقلل الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة بواقع مرتين فقط على مدار هذا العام، وأن يؤجل التخفيضات إلى الربع الثالث.