في تحول لافت يعكس تصاعد التوترات التجارية بين بكين وواشنطن، أوقفت الصين بالكامل وارداتها من فول الصويا الأميركي خلال شهر سبتمبر، في خطوة تحمل دلالات اقتصادية وسياسية أعمق من مجرد أرقام استيراد. ووفقًا لبيانات الجمارك الصينية، لم تستورد البلاد أي شحنات من المحصول الأميركي، وهي سابقة لم تحدث منذ قرابة سبع سنوات، وتحديدًا منذ نوفمبر 2018.هذا التوقف المفاجئ في الشراء يأتي في وقت بالغ الحساسية للعلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم. وبدلاً من الاعتماد على الشريك الأميركي التقليدي، كثفت الصين مشترياتها من أمريكا الجنوبية، وعلى رأسها البرازيل، التي عززت صادراتها إلى السوق الصينية بنحو 30%، لتصل إلى أكثر من 10.9 ملايين طن خلال الشهر ذاته. كما سجلت الأرجنتين طفرة في صادراتها إلى الصين بنسبة قاربت 91%، بدعم من سياسات تحفيزية مثل الإعفاءات الضريبية المؤقتة.الابتعاد الصيني عن فول الصويا الأميركي لا يرتبط فقط بالضرائب والرسوم الجمركية، بل يبدو أنه جزء من استراتيجية أوسع تسعى من خلالها بكين إلى تنويع مصادر الإمداد وتقليص الاعتماد على الولايات المتحدة في السلع الزراعية الحساسة، خاصة تلك المرتبطة بسلاسل الإمداد الغذائية وصناعة الأعلاف الحيوانية.لكن هذا التوجه ليس دون مخاطره. فالمحللون يرون أن الاعتماد الكبير على الموردين في نصف الكرة الجنوبي قد يؤدي إلى فجوة مؤقتة في الإمدادات خلال الأشهر الأولى من العام المقبل، تحديدًا في الفترة ما بين فبراير وأبريل، وهي الفترة التي تسبق حصاد المحاصيل الجديدة في البرازيل والأرجنتين. أي تأخر في الشحنات أو اضطرابات مناخية قد تُجبر بكين على العودة إلى السوق الأميركي، ولو بشكل مؤقت.وفي سياق متصل، بدأت مؤشرات على تحرك دبلوماسي وتجاري جديد بين البلدين. فقد صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مقابلة حديثة أنه يترقب "تطورًا إيجابيًا قريبًا" بشأن صادرات فول الصويا إلى الصين، ما يشير إلى احتمال استئناف المفاوضات التجارية، وربما تخفيف القيود المفروضة على المنتجات الزراعية.لكن رغم هذه الإشارات، لا يزال المشهد غير واضح. فالصين، باعتبارها أكبر مشترٍ لفول الصويا في العالم، تملك أدوات ضغط هائلة في سوق عالمي حساس، بينما تحاول الولايات المتحدة استعادة حصتها التي خسرتها تدريجيًا لصالح منافسين أقل تكلفة وأكثر مرونة في التفاوض.