في ظل التصعيد المتزايد في التوترات التجارية العالمية، أصدرت وكالة التصنيف الائتماني "فيتش" تقريرًا حديثًا خفّضت فيه بشكل ملحوظ توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري. ووفقًا للتقرير، يُتوقع أن يشهد الاقتصاد العالمي نموًا يقل عن 2%، وهو تراجع واضح عن تقديراتها السابقة، ويُعد هذا المعدل الأدنى منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2009، باستثناء فترة الانكماش الناتجة عن جائحة كوفيد-19.عزت "فيتش" هذا التباطؤ إلى التأثيرات العميقة للتصعيد الحاد في الحرب التجارية العالمية، حيث تصاعدت الإجراءات الحمائية وازدادت الرسوم الجمركية المتبادلة بين القوى الاقتصادية الكبرى، مما أدى إلى اضطراب في سلاسل الإمداد العالمية وانخفاض كبير في مستويات التجارة والاستثمار الدولية. كما انعكس ذلك على ثقة الأسواق، فتراجعت شهية الاستهلاك والاستثمار في العديد من الاقتصادات المتقدمة والناشئة.وفي هذا السياق، خفّضت الوكالة توقعاتها لنمو الاقتصاد الأمريكي إلى 1.2% خلال العام الجاري، بانخفاض قدره 0.5% عن تقديراتها السابقة.ويأتي هذا التراجع في ضوء ضعف الإنفاق الاستهلاكي، وتباطؤ الاستثمارات، وتداعيات السياسة النقدية المتشددة التي تنتهجها السلطات الفيدرالية لمواجهة التضخم، حيث أسهمت أسعار الفائدة المرتفعة في كبح النشاط الاقتصادي بشكل ملحوظ.كما توقعت "فيتش" أن يبقى النمو في منطقة اليورو دون 1%، في ظل استمرار الضغوط التضخمية، وتراجع الأداء الصناعي، إلى جانب حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي التي تؤثر على ثقة المستثمرين.وتشهد اقتصادات كبرى داخل المنطقة مثل ألمانيا وفرنسا تباطؤًا في النمو نتيجة ضعف الطلب الداخلي والعالمي.أما الصين، التي تعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فقد خفّضت الوكالة توقعاتها لنموها بمقدار 0.5% لتقل عن 4% خلال العامين الجاري والمقبل، وهو ما يقل كثيرًا عن الهدف الرسمي الذي حددته الحكومة عند 5%. ويعكس هذا الانخفاض استمرار التحديات البنيوية في الاقتصاد الصيني، أبرزها ضعف قطاع العقارات، وتراجع الطلب على الصادرات الصينية، إلى جانب تذبذب ثقة القطاع الخاص والمستهلكين المحليين.تعكس هذه التوقعات المعدّلة صورة قاتمة للاقتصاد العالمي في المرحلة الراهنة، وسط مناخ اقتصادي يتسم بعدم الاستقرار والتقلبات الجيوسياسية والضغوط التضخمية. كما تشير إلى ضرورة تحرك الدول الكبرى بشكل منسّق لتقليل المخاطر المحتملة، وتبني سياسات قادرة على دعم النمو وتحقيق قدر من الاستقرار في النظام المالي العالمي.