تتوقع الشركات والمستثمرون في وول ستريت أن تعود عمليات الدمج والاستحواذ الكبرى للنشاط في حال فوز دونالد ترامب بولاية ثانية، ويأملون أن تكون سياساته الاقتصادية أكثر دعمًا للنمو في هذه الصناعة.
وخلال إدارة بايدن، تم فرض رقابة أكثر صرامة على عمليات الاندماج والاستحواذ، وخاصة في مجالات مكافحة الاحتكار. يعتقد البعض أن ترامب، في حال عودته إلى البيت الأبيض، سيعتمد سياسة أكثر مرونة تسمح بزيادة تلك العمليات، مما يمكن أن يشجع السوق ويعزز النمو الاقتصادي في السنوات القادمة.
إضافة إلى ذلك، فإن التوقعات بنمو سوق الأسهم وانخفاض أسعار الفائدة في حال فوز ترامب، تدعم التفاؤل حول الانتعاش المحتمل في صناعة الصفقات في عام 2025.
كما شهدت عمليات الدمج والاستحواذ تباطؤًا ملحوظًا خلال فترة رئاسة "جو بايدن"، حيث ساهمت الجهات التنظيمية في هذا التباطؤ من خلال اتخاذ مواقف نقدية. وفقًا لبيانات "ستاندرد أند بورز جلوبال"، حتى أواخر سبتمبر من هذا العام تم إتمام 507 عمليات اندماج بين بنوك خلال فترة رئاسة "بايدن"، أي بانخفاض 44% مقارنة مع فترة ولاية "دونالد ترامب" الأولى.
كما شهد متوسط الوقت اللازم لإتمام الصفقات زيادة كبيرة في عهد "بايدن"، حيث بلغ ذروته حوالي 6 أشهر في العام الحالي، مقارنة مع ذروة تبلغ أقل من خمسة أشهر في عهد "ترامب" الأولى.
وأصبحت الصفقات الكبرى التي تتجاوز قيمتها 500 مليون دولار تستغرق وقتًا أطول أيضًا في عهد "بايدن"، حيث بلغ متوسط الوقت اللازم لإتمامها حوالي 10 أشهر، مقارنة بـ 6 أشهر في فترة "ترامب".
وأعربت البنوك متوسطة الحجم التي تبلغ أصولها مئات المليارات عن كفاحها لإبرام الصفقات في محاولة لزيادة حجمها والتنافس بشكل أفضل مع كبار اللاعبين مثل "جيه بي مورجان" و"بنك أوف أمريكا".
وفي رسالة للجهات التنظيمية هذا العام، زعم "بيل ديمتشاك" المدير التنفيذي لبنك "بي إن سي" أن قواعد اندماج البنوك المقترحة من شأنها تعزيز هيمنة كبار اللاعبين في الصناعة.
ما هي توقعات الأسواق بشأن عمليات الدمج والاستحواذ خلال 2025؟
يتوقع الخبراء المصرفيون أن تتجاوز أحجام صفقات الدمج والاستحواذ العالمية 4 تريليونات دولار في العام المقبل، وهو أعلى مستوى منذ أربع سنوات. هذا الارتفاع المتوقع يعود إلى سياسات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" التي تركز على تقليل القيود التنظيمية، وخفض الضرائب على الشركات، ودعمه الكبير للأعمال التجارية.
تُظهر البيانات الصادرة عن "ديلوجيك" أن إجمالي قيمة عمليات الدمج والاستحواذ حتى التاسع عشر من ديسمبر 2024 قد وصل إلى 3.45 تريليون دولار، بزيادة 15% مقارنة بالعام الماضي.
من جانبه، أشار "جاي هوفمان"، الرئيس المشارك لعمليات الدمج والاستحواذ في أمريكا الشمالية لدى "جيه بي مورجان تشيس"، إلى أنه باستثناء عام 2021، من المتوقع أن يكون العام المقبل من أفضل الأعوام في العقد الماضي، مشيرًا إلى أنه إذا ارتفعت أحجام الصفقات بنسبة تتراوح بين 15% و 20%، فلن يكون ذلك مفاجئًا.
تتوقع "أليسون هاردينج جونز"، رئيسة قسم عمليات الدمج والاستحواذ العالمية لدى "دوتشيه بنك"، أن تتبنى الإدارة الأمريكية الجديدة موقفًا أكثر تساهلًا بشأن إتمام الصفقات، مما يعني نهاية فترة من التدقيق الصارم من قبل الجهات التنظيمية التي كانت تستغرق أكثر من عامين.
وفي السياق ذاته، أشار "نيستور باز-جاليندو"، الرئيس المشارك العالمي لعمليات الدمج والاستحواذ لدى "يو بي إس"، إلى أن تخفيض "ترامب" للضرائب وتخفيف القيود التنظيمية قد يعزز استعداد الشركات لاستخدام أموالها النقدية في صفقات الدمج والاستحواذ بدلاً من توزيعها على المساهمين.
حالة عدم اليقين في الأسواق
رغم التوقعات الإيجابية بشأن صفقات الدمج والاستحواذ، إلا أن هناك حالة من عدم اليقين بسبب صعوبة التنبؤ بتصرفات "ترامب". في ظل هذا الغموض، يحاول صناع الصفقات تحليل تحركاته المستقبلية.
ومن بين هذه التحركات، تعهد "ترامب" بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على المنتجات الواردة من المكسيك وكندا، إضافة إلى تهديده بفرض تعريفة إضافية بنسبة 10% على السلع القادمة من الصين.
ومع ذلك، يشير اختياره لـ "سكوت بيسنت" لمنصب وزير الخزانة إلى أن الرسوم الجمركية قد تُستخدم كأداة تفاوضية، مما قد يُخفف من المخاوف المتعلقة بتأثير هذه الإجراءات على الاقتصاد العالمي وعلى صفقات الدمج والاستحواذ.
في حال تم تطبيق التعريفات الجمركية المرتفعة، فقد تشجع الشركات الأجنبية على الاستحواذ على الشركات الأمريكية كوسيلة للتحايل على هذه الرسوم. هذا التحول قد يعزز النشاط في صفقات الدمج والاستحواذ، حيث تصبح الشركات الأجنبية أكثر حرصًا على التوسع داخل الولايات المتحدة لتفادي الرسوم المرتفعة.
من جهة أخرى، قد تضطر الشركات الأمريكية إلى تمرير التكاليف الإضافية الناتجة عن التعريفات الجمركية إلى المستهلكين، ما قد يرفع الأسعار ويؤثر على القدرة الشرائية. هذا قد يجعل من الصعب على الاحتياطي الفيدرالي خفض الفائدة، وهو ما يشير إليه بعض المصرفيين كأحد التحديات الاقتصادية المحتملة.
بالإضافة إلى ذلك، قد تؤثر التعريفات الجمركية سلبًا على صافي أرباح الشركات، حيث ترفع التكاليف، مما يجعل صفقات الدمج والاستحواذ أقل جاذبية وتقلل من الطلب على مثل هذه الصفقات.
وفي هذا السياق، خفض الاحتياطي الفيدرالي الفائدة في منتصف ديسمبر للمرة الثالثة هذا العام، وأشار إلى احتمال خفضين آخرين في العام المقبل، مما يوضح الاستجابة للتحديات الاقتصادية التي قد تطرأ نتيجة للتعريفات الجمركية والتغيرات في السوق.
وفي حال كانت تحركات الاحتياطي الفيدرالي أقل من توقعات المستثمرين، فقد يؤدي ذلك إلى تقلبات في سوق الأسهم، مما قد يؤثر سلبًا على عمليات الدمج والاستحواذ. تقلبات السوق قد تجعل من الصعب على المشترين والبائعين الاتفاق على الأسعار المناسبة للصفقات، مما يخلق تحديات إضافية في عملية التفاوض.
وبالرغم من التفاؤل الكبير والتوقعات الإيجابية بأن ولاية "ترامب" الثانية ستدعم نشاط عمليات الدمج والاستحواذ، إلا أن هناك حالة من عدم اليقين تظل تهيمن على الرؤية المستقبلية. هذه العوامل، مثل قرارات الفيدرالي وتأثيرات الرسوم الجمركية، قد تحدد بشكل كبير كيفية سير الأنشطة الاقتصادية في المستقبل وتؤثر على نجاح الصفقات في ظل الظروف المتغيرة.