شهدت أسواق الذهب مؤخرًا تراجعًا محدودًا في الأسعار، حيث انخفضت الأونصة إلى ما دون مستوى 3300 دولار، وذلك في أعقاب تصريحات أكثر هدوءًا من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن النزاع التجاري مع الصين، وكذلك حول مستقبل رئاسة جيروم باول لمجلس الاحتياطي الفيدرالي.ويُنظر إلى هذا التراجع على نطاق واسع بأنه مؤقت، وليس بداية لاتجاه هابط، خاصة في ظل استمرار المخاطر الجيوسياسية والتوترات الاقتصادية العالمية التي تدعم عادةً الطلب على الذهب كملاذ آمن.وبحسب ما أوردته ثو لان نغوين، محللة العملات الأجنبية لدى "كومرتس بنك"، فإن الذهب لا يزال يتمتع بجاذبية قوية لدى المستثمرين، رغم التراجع اللحظي في الأسعار، معتبرة أن السوق تتفاعل بشكل حساس مع أي تصريحات أو تحركات سياسية من شأنها أن تؤثر على توقعات السياسة النقدية أو التوترات التجارية.ويستمر ملف التجارة بين الولايات المتحدة والصين في لعب دور محوري في تحديد اتجاهات السوق، خاصة في ظل تضارب التصريحات الصادرة عن الإدارة الأمريكية، سواء من جانب ترامب أو وزير الخزانة سكوت بيسنت، بالمقارنة مع التصريحات المتحفظة الصادرة عن الجانب الصيني.ويزيد هذا التباين في التصريحات من حالة عدم اليقين بشأن فرص التوصل إلى اتفاق تجاري شامل في الأجل القريب، وهو ما يدفع بالعديد من المستثمرين نحو الذهب كأداة تحوط ضد المخاطر.في موازاة ذلك، كان للسياسة النقدية الأمريكية دور أساسي في دعم توقعات السوق بشأن تحركات الذهب.فقد أشار كريستوفر والر، عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إلى أن التصعيد في النزاع التجاري قد يستدعي تسريع وتيرة خفض أسعار الفائدة، لا سيما إذا انعكس سلبًا على سوق العمل الأمريكي.من جانبها، ألمحت بيث هاماك، رئيسة الفيدرالي في كليفلاند، إلى إمكانية تنفيذ أول خفض للفائدة في يونيو المقبل إذا استمرت مؤشرات ضعف النمو الاقتصادي في الظهور.وتُعد هذه التصريحات بمثابة إشارات مهمة للأسواق، التي لا تزال تترقب بقلق التطورات المقبلة.فالتوقعات بشأن خفض أسعار الفائدة لم تتغير كثيرًا، حيث يتوقع معظم المستثمرين أن يتم اتخاذ أولى خطوات التيسير النقدي خلال فصل الصيف.لكن في المقابل، فإن أي تحسن في المعنويات الاقتصادية أو بوادر على اتفاق تجاري قد تحد مؤقتًا من مكاسب الذهب.رغم ذلك، فإن الذهب ما زال يُعتبر أحد أبرز الأصول الدفاعية في مواجهة التقلبات الاقتصادية.ومع اقتراب صدور بيانات اقتصادية مهمة من الولايات المتحدة، تتركز أنظار الأسواق على مؤشرات الأداء الاقتصادي، خاصة تلك المتعلقة بالنمو والتوظيف.وإذا ما أظهرت البيانات تباطؤًا ملموسًا، فقد يؤدي ذلك إلى تسريع وتيرة خفض الفائدة، مما سيُترجم إلى دعم إضافي لأسعار الذهب في الأسواق العالمية.ومن بين العوامل الأخرى التي تراقبها الأسواق عن كثب، تأثير قوة الدولار الأمريكي، وتحركات العوائد على السندات الحكومية، وكذلك تطورات الأوضاع في منطقة اليورو والأسواق الناشئة. فكل هذه العوامل تشكل معًا بيئة غير مستقرة تعزز من جاذبية الذهب كخيار استثماري آمن، سواء للمؤسسات المالية الكبرى أو المستثمرين الأفراد.في المجمل، فإن النظرة العامة لاتجاه الذهب تبقى إيجابية على المدى المتوسط، حتى وإن شهدت الأسعار بعض التذبذبات في الأجل القصير.ويُتوقع أن يلعب كل من تطورات السياسة النقدية الأمريكية، والملف التجاري مع الصين، إلى جانب البيانات الاقتصادية المرتقبة، دورًا حاسمًا في تحديد المسار التالي لأسعار المعدن الأصفر خلال الفترة المقبلة.