هل هبطت البورصة بسبب الأوضاع في الشرق الأوسط؟ الجواب لا .. اقرأ لتعرف لماذا

هل هبطت البورصة بسبب الأوضاع في الشرق الأوسط؟ الجواب لا .. اقرأ لتعرف لماذا
مع تزايد حدة وتيرة الأحداث في الشرق الأوسط، ودخول المنطقة في حالة من الذعر والتوتر، أرجع الجميع ما حدث من تراجع في البورصات الأمريكية وما تبعها من التراجعات على مستوى العالم إلى هذه الأحداث.. ولكن هذا غير صحيح. 
بالتأكيد هناك تأثير كبير للتوترات الجيوسياسية في المنطقة على الاقتصاد العالمي، ولكن أكبر هذا التأثير على سوق النفط. 
فلماذا تراجعت البورصة نهاية الأسبوع الماضي؟ 
أثار القلق بشأن تباطؤ الاقتصاد الأميركي ذعرًا في الأسواق العالمية، مما دفع وول ستريت إلى التراجع الحاد. تأثرت الأسواق اليابانية بشكل كبير برفع أسعار الفائدة، حيث شهدت أسوأ يوم لها منذ سنوات عديدة. كما فقدت شركات التكنولوجيا الكبرى مليارات الدولارات من قيمتها السوقية، مما قلب حالة الهدوء النسبي التي كانت سائدة في الأسواق خلال العام.
البداية كانت مبشرة إلى حد كبير
على مدار معظم العام، قاد المستثمرون العالميون أسواق الأسهم نحو الارتفاع، متفائلين بنجاح البنوك المركزية في كبح التضخم رغم تحركاتها الحذرة. كما دعمت هذه الزيادة قوة الاقتصاد الأميركي ووعد الذكاء الاصطناعي بتعزيز النمو الاقتصادي.
وبحلول يونيو، انضمت إنفيديا، الرائدة في صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي، إلى آبل ومايكروسوفت كأول شركات تصل قيمتها إلى 3 تريليونات دولار. في منتصف يوليو، سجلت مؤشرات ستاندرد آند بورز 500 وناسداك المركب ونيكاي 225 الياباني أعلى مستوياتها على الإطلاق. كان المستثمرون يأملون أن أسعار الفائدة المرتفعة التي فرضها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ستقيد التضخم دون التسبب في تباطؤ كبير في أكبر اقتصاد عالمي.
ومع ذلك، تلقت هذه الثقة ضربة قوية مؤخرًا. فقد أشار المستثمرون إلى أن أسهم إنفيديا والشركات التكنولوجية الكبرى أصبحت مبالغًا فيها، وأن الإنفاق الكبير على الذكاء الاصطناعي قد يستغرق وقتًا طويلًا لتحقيق أرباح ملموسة. علاوة على ذلك، أثارت القراءات الضعيفة من سوق العمل والتصنيع والبناء مخاوف بشأن احتمال الركود في الولايات المتحدة، مما أدى إلى انتقادات لبنك الاحتياطي الفيدرالي لتأخيره في خفض أسعار الفائدة. في الوقت ذاته، بدأت اليابان في رفع أسعار الفائدة، مما أدى إلى اضطرابات في أسواقها المالية.
إن الانخفاض السريع والمفاجئ في الأسهم العالمية يثير القلق بين المستثمرين العاديين بشأن التأثير على محافظهم وخططهم.
ماذا حدث يومي الجمعة والأثنين؟
في يوم الجمعة، دخل مؤشر ناسداك المركب في مرحلة تصحيح بعد انخفاضه بنسبة 10٪ عن أعلى مستوياته الأخيرة. وفي يوم الاثنين، تعرض مؤشر نيكاي لأكبر تراجع له منذ عام 1987، حيث هبط بأكثر من 12٪. بحلول منتصف يوم الاثنين في الولايات المتحدة، سجل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 انخفاضًا بنسبة 2.2٪، وتراجع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 2٪. 
وشهد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أكبر تراجع له في يوم واحد منذ ما يقرب من عامين، حيث انخفض بمقدار 160 نقطة أو بنسبة 3٪، ليصل إلى 5186 نقطة.
كما تراجع مؤشر ناسداك المركب، الذي يركز على التكنولوجيا، الأثنين، بنسبة 3.4٪، حيث باع المستثمرون بعض أسهم الشركات التقنية الكبرى التي كانت تدفع السوق للأعلى، مع تسجيل انخفاضات ملحوظة في أسهم أبل بنسبة 4.8٪ وإنفيديا بنسبة 6.4٪.
يتوقع المتعاملون في الولايات المتحدة أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية في سبتمبر، بدلًا من ربع نقطة مئوية المعتادة، بينما يدعو البعض إلى تخفيض طارئ. رغم ذلك، هناك من يرى أن عمليات البيع المكثفة قد تكون مفيدة لأن أسعار الأسهم قد ارتفعت إلى مستويات غير مبررة.
أسباب هبوط البورصة الحقيقية
إن ارتفاع معدلات البطالة، التخوفات من حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة، سقوط كبرى الشركات التكنولوجية، رفع أسعار الفائدة في اليابان، ووعود ترامب بتخفيض أسعار الفائدة هي الأسباب الرئيسية والحقيقية وراء تراجع البورصة. في التالي، نوضح هذه الأسباب بشئ من التفصيل:
ارتفاع معدلات البطالة الأمريكية
أشارت الخسائر الكبيرة في الأسواق المالية إلى توتر المستثمرين بعد صدور تقارير الأسبوع الماضي التي أظهرت أن الولايات المتحدة أضافت 114 ألف وظيفة فقط في يوليو، وهي أقل من التوقعات التي كانت تتوقع حوالي 150 ألف وظيفة. كما ارتفع معدل البطالة إلى 4.3%، وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر 2021. رغم أن هذه الأرقام لا تشكل أزمة فورية، إلا أنها تعتبر دلائل على أن الاقتصاد الأمريكي قد يواجه بعض الصعوبات.
وعلى الرغم من التوقعات التي تفادت الركود بعد تداعيات الوباء، فقد أعادت هذه التقارير إثارة المخاوف من احتمال حدوث ركود أمريكي قد يكون له تأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي. وقد رفعت جولدمان ساكس من احتمالات حدوث ركود في العام المقبل من 15% إلى 25%.
من الصعب تحديد مدى واقعية هذه المخاوف في الوقت الحالي، ومن المحتمل أن يكون من المبكر المبالغة في القلق. فعلى الرغم من التباطؤ، لا يزال الاقتصاد الأمريكي في وضع جيد نسبيًا. 
وبحسب، مات كوليار، الخبير الاقتصادي في موديز أناليتيكس، فإن هناك بالفعل تباطؤًا ملموسًا، لكن الأسس الاقتصادية التي تجعل هناك حالة تفاؤل بشأن الاقتصاد الأمريكي لم تتغير.
التخوفات من حدوث ركود في الاقتصاد الأمريكي
تشير البيانات الاقتصادية الأخيرة إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة. على الرغم من ارتفاع الأسهم إلى مستويات قياسية هذا العام بفضل توقعات بخفض أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي لأول مرة منذ عام 2020، بالإضافة إلى طفرة الذكاء الاصطناعي، إلا أن معنويات السوق بدأت في التغير منذ منتصف يوليو الماضي.
تزايدت المخاوف مع ظهور إشارات متعددة إلى تباطؤ النمو، والتي تفاقمت في الثاني من أغسطس عندما أظهرت البيانات انخفاضًا في أنشطة التصنيع والبناء. كما زادت القلق من تقرير التوظيف الأضعف من المتوقع، مما عزز الشكوك في قدرة الاقتصاد على الحفاظ على زخمه.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو ضعف الإنفاق الاستهلاكي، الذي يمثل نحو ثلثي النشاط الاقتصادي. فقد أفادت شركات كبرى مثل ماكدونالدز وول مارت بأن عملاءها بدأوا في تقليص إنفاقهم بسبب ضغوط التضخم المرتفع وتكاليف الاقتراض المرتفعة.
ومع ذلك، يحذر بعض الخبراء من أن هذه النقاط قد تكون مجرد انحرافات مؤقتة وليست مؤشرًا على اتجاه طويل الأمد. 
ومن جانبها، قالت سيما شاه، كبيرة الاستراتيجيين العالميين في شركة برينسيبال أسيت مانجمنت: "من المهم أن ندرك أن شهرًا واحدًا لا يشكل دليلًا على اتجاه طويل الأمد، لذا فإن تقرير الوظائف المقبل سيكون ذا أهمية كبيرة".
هل مخاوف الركود في الولايات المتحدة حقيقية؟
وفقًا لتقرير من بلومبرج، فقد زاد خبراء الاقتصاد في مجموعة جولدمان ساكس من احتمالات حدوث ركود في الولايات المتحدة خلال العام المقبل من 15% إلى 25%.
تشير بعض العلامات إلى تباطؤ في الاقتصاد الأمريكي، لكن من السابق لأوانه افتراض أن الولايات المتحدة ستواجه ركودًا قريبًا. عادةً ما يُعتبر الاقتصاد في حالة ركود إذا كان الناتج المحلي الإجمالي سلبيًا لربعين متتاليين. 
ووفقًا للبيانات الصادرة عن مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي، نما الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بمعدل 2.8% للربع من أبريل إلى يونيو هذا العام، مما يجعل من غير المرجح أن ينزلق النمو إلى السالب بسرعة.
تدعو بعض التفسيرات إلى أن الزيادة في معدل البطالة في يوليو قد تكون نتيجة لقوة العمل المتنامية وليس بالضرورة تباطؤًا اقتصاديًا. علاوة على ذلك، أظهر تقرير بلومبرج في 5 أغسطس أن قطاع الخدمات الأمريكي شهد زيادة في يوليو بعد انكماشه في الشهر السابق، حيث ارتفع مؤشر معهد إدارة التوريد (ISM) للخدمات بمقدار 2.6 نقطة إلى 51.4، مما يشير إلى التوسع. وفي الوقت نفسه، أظهرت بيانات معهد إدارة التوريد  أكبر انكماش في التصنيع في ثمانية أشهر.
رفع أسعار الفائدة في اليابان
أشار الخبراء إلى أن قرار بنك اليابان الأسبوع الماضي برفع سعر الفائدة الرئيسي من مستويات قريبة من الصفر له تأثيرات واسعة على الأسواق العالمية. 
ساهم هذا التحرك في تعزيز قيمة الين الياباني، لكنه أيضًا أدى إلى تصفية المتداولين لاستثماراتهم. هؤلاء المتداولون كانوا قد اقترضوا أموالًا في اليابان بأسعار فائدة منخفضة، ثم حولوا الين إلى دولارات لشراء الأسهم الأمريكية. مع رفع الفائدة، واجه المتداولون صعوبة في تغطية هذه الصفقات، مما دفعهم إلى بيع الأصول لتسوية مراكزهم.
أثرت زيادة أسعار الفائدة التي قام بها بنك اليابان بشكل كبير على ما يُعرف بصفقات "الحمل". في هذه الصفقات، يقترض المستثمرون الأموال من دول ذات أسعار فائدة منخفضة وعملة ضعيفة نسبيًا، مثل اليابان، ثم يستثمرون هذه الأموال في أسواق ذات عوائد مرتفعة. عندما قام بنك اليابان برفع أسعار الفائدة، ارتفعت قيمة الين الياباني، مما زاد من تكلفة سداد القروض للمستثمرين. كنتيجة لذلك، اضطر هؤلاء المستثمرون على الأرجح إلى بيع الأسهم لتغطية ديونهم.
سقوط كبرى الشركات التكنولوجيا
شهدت الأسهم في قطاع التكنولوجيا، وخاصة ما يُعرف بـ "Magnificent Seven" التي تشمل أمازون، أبل وإنفيديا، تراجعًا ملحوظًا، حيث كانت من بين الأسوأ أداءً في السوق يوم الاثنين. فقدت شركة إنفيديا، التي تُعتبر رائدة في تصنيع الرقاقات التي تدعم الذكاء الاصطناعي، 23% من قيمتها منذ 31 يوليو.
قبل الأسبوع الماضي، كانت هذه الأسهم من بين الأكثر تألقًا هذا العام، مما يعكس توقعات وول ستريت العالية بنمو إيراداتها وأرباحها. على الرغم من أن تقارير الأرباح الخاصة بها كانت جيدة حتى الآن، إلا أنها لم تلبي توقعات المستثمرين بشكل كامل.
لقد دفعت أسهم عدد قليل من شركات التكنولوجيا الكبرى السوق لتحقيق مكاسب مزدوجة الرقم في يوليو. ومع ذلك، تحول هذا الزخم في الشهر الماضي بسبب مخاوف من أن المستثمرين قد رفعوا أسعار هذه الأسهم إلى مستويات مبالغ فيها، وأن التوقعات بشأن الأرباح أصبحت صعبة للغاية لتلبية التوقعات، وهو ما تأكد جزئيًا عندما كانت تقارير الأرباح الأخيرة لهذه الشركات ليست جيدة بالشكل الكافي.
وشهدت أسهم شركة أبل انخفاضًا تجاوز 5% يوم الاثنين، بعد أن كشفت شركة بيركشاير هاثاواي التابعة لوارين بافيت عن تقليص حصتها في الشركة المصنعة لآيفون. كما فقدت شركة إنفيديا أكثر من 420 مليار دولار من قيمتها السوقية من الخميس إلى الاثنين. بشكل عام، كان قطاع التكنولوجيا في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 هو العامل الأكثر تأثيرًا على السوق يوم الاثنين.
ومن جانبها قالت أجاتي، المحللة في بنك بي إن سي: "حتى إذا جاءت الأرباح كما هو متوقع، فإن مضاعفات التقييم مرتفعة للغاية بحيث يصعب الحفاظ عليها".
وأضافت أن المستثمرون في حالة ذعر، وأن مشاعرهم قد تحولت بصورة كبيرة وسريعة بشكل غريب، خاصة وأن نتائج الأرباح للشركات السبع الكبرى كانت في الغالب جيدة. 
وعود ترامب بتخفيض أسعار الفائدة
في المؤتمر السنوي للرابطة الوطنية للصحفيين السود في شيكاغو يوم الأربعاء، صرح الرئيس السابق دونالد ترامب بأن التضخم وأسعار الفائدة المرتفعة "تدمر بلدنا". 
وقد تعهد ترامب، إذا انتُخب مجددًا، بـ "خفض أسعار الفائدة بشكل كبير" وعلاج مشكلة التضخم.
ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن الرئيس لا يمتلك سيطرة مباشرة على أسعار الفائدة، حيث يحدد بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بشكل مستقل عن البيت الأبيض. وقد تعامل بنك الاحتياطي الفيدرالي مع التضخم، الذي أصبح مشكلة بارزة بعد جائحة كوفيد-19 وارتفعت مستويات الأسعار إلى أعلى مستوياتها في أكثر من 40 عامًا، من خلال سلسلة من زيادات أسعار الفائدة لمحاولة ضبط الاقتصاد والحد من التضخم.
ماذا يجب أن يفعل المستثمرون الآن؟ 
يقول الخبراء أن الوقت ليس مناسبًا لاتخاذ قرارات متهورة، بل هو الوقت المناسب للتأكد من تنويع استثماراتهم بشكل صحيح. ويشجع الخبراء والمحللون على تبني نظرة طويلة الأمد، خاصةً للمستثمرين الذين يهتمون بالتداول على المدى الطويل. 
ومن جانبه، قال جاكوب تشانيل، كبير الاقتصاديين في ليندنج تري، أن الأسواق قد تعافت من عمليات بيع أسوأ من الوضع الحالي. مؤكدًا أن الذعر خلال أيام الانخفاض الحاد يمكن أن يؤدي غالبًا إلى خسائر أكبر من تلك التي يحاول المستثمرون تفاديها.
تعتبر عمليات البيع جزءًا طبيعيًا من تقلبات السوق، حيث يشير جريج ماكبرايد، المحلل المالي في بنك رايت، إلى أن الأسواق تتراجع عادة بنسبة 10% مرة كل 12 شهرًا تقريبًا.
أما كوينسي كروسبي، كبير الاستراتيجيين العالميين في إل بي إل فاينانشال، فإنها تدعو المستثمرين إلى الصبر حتى تنتهي الموجة الحالية من الاضطرابات.
من المهم أن يعرف المستثمرون أن الانخفاضات في أسعار الأسهم، بما في ذلك الانخفاضات الحادة، هي أمر شائع. وعلى الرغم من أن مؤشر S&P 500 تراجع بنحو 8٪ عن ذروته في يوليو، فإن الانخفاضات بنسبة 5٪ أو أكثر تحدث مرة على الأقل سنويًا، وفقًا لتقرير أكسفورد إيكونومك.
كما أن تصحيحات السوق، التي تتمثل في انخفاض بنسبة 10٪ على الأقل من أعلى مستوياتها، تحدث في المتوسط كل عام ونصف إلى عامين. حتى في حالة الأسواق الهابطة، حيث ينخفض السوق بنسبة 20٪ أو أكثر من ذروته، يعتبر ذلك أمرًا طبيعيًا ولا يستدعي الذعر، وفقًا للخبراء. 
كما أكد الخبراء والمحللين أنه من الأفضل مقاومة رغبة البيع، خاصةً بالنسبة للمستثمرين على المدى الطويل.