واجهت السوق الأمريكية تحديات عديدة وعقبات صعبة في بداية هذا العام، مما دفع المحللين لاستبعاد تكرار ما حدث العام الماضي، حين نجحت الأسواق المالية في الولايات المتحدة في التغلب على الاضطرابات المصرفية وأزمة سقف الدين، لينهي مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" تعاملات العام الماضي على ارتفاع بنحو 24%.
ومن بين أبرز الصعوبات التي شهدها السوق الأمريكي مخاوف الركود الاقتصادي، وتصاعد حدة التوترات الجيوسياسية، وبدء البنوك المركزية العالمية في دورة التيسير النقدي وخفض أسعار الفائدة، بالإضافة إلى السباق الرئاسي.
في أبريل 2024، سجلت الأسهم الأمريكية تراجعًا قويًا، وسط موجة بيع واسعة، نتيجة تصاعد التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، واشتعال الصراع بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية من ناحية، وبين إسرائيل وجماعة حزب الله اللبنانية، مما دفع خام القياس العالمي "برنت" إلى تجاوز 90 دولار للبرميل، في حين تراجعت الأسهم الأمريكية بأكثر من 5%.
وشهدت الأسهم الأمريكية أكبر موجة بيعية هذا العام في مطلع شهر أغسطس، بفعل بيانات التصنيع والوظائف التي جاءت مخيبة للآمال، وفي ظل مخاوف المستثمرين من استمرار دورة التشديد النقدي، والإعلان عن نتائج أعمال عدد من شركات التكنولوجيا الكبرى والتي كانت أقل من المتوقع.
في نفس الوقت، بدأ المستثمرون تصفية مراكزهم المرتبطة بـ "الكاري تريد" بعد قيام المركزي الياباني برفع أسعار الفائدة، مما أدى إلى تراجع مؤشر "إس آند بي 500" بحوالي 8.5%، وزيادة فروق العائد على السندات الأمريكية.
وزادت مخاوف المستثمرين بشأن التضخم خلال الربع الأول من العام الجاري، بعدما أظهرت البيانات ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي في الولايات المتحدة بنسبة 0.4% لمدة ثلاثة أشهر متتالية، مما دفع المعدل السنوي للارتفاع بنسبة 4.5%.
وبالرغم من كل هذه الصعوبات، ارتفاع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 27% منذ بداية هذا العام، مسجلًا 57 إغلاقًا قياسيًا حتى السادس من ديسمبر 2024، وهو معدل أعلى من توقعات المحللين التي كانت تشير إلى زيادته بنحو 17% عند 5400 نقطة.
ومنذ مطلع العام، سجل مؤشر "داو جونز" الصناعي 48 مستوى قياسي جديد، ليرتفع بنحو 18% مقارنة بمكاسب بنحو 14% في العام الماضي.
وصعد مؤشر "ناسداك" المركب بأكثر من 31% منذ بداية العام، مسجلًا 36 إغلاقًا قياسيًا، ومقابل مكاسب بلغت أكثر من 43% في العام الماضي.
ساعدت طفرة الذكاء الاصطناعي في دعم الأسواق المالية العالمية وخاصة الأمريكية، حيث عززت أسعار أسهم شركات التكنولوجيا من بينها "إنفيديا" عملاق صناعة الرقائق، والتي ارتفع سهمها بأكثر من 176% منذ مطلع العام الجاري.
وتتوقع شركة الأبحاث السوقية "آي دي سي" تضاعف الإنفاق العالمي على قطاع الذكاء الاصطناعي بين عامي 2024 و2028، بمعدل نمو سنوي يبلغ 29%.
وكان القطاع المالي هو الأفضل من حيث الأداء حتى الآن هذا العام، حيث سجل مكاسب بلغت 35%، يليه قطاع المرافق الذي ارتفع بـ 28%، في حين ارتفعت أسهم شركات التكنولوجيا بحوالي 22%.
وبالنسبة لأداء الأسهم الأمريكية خلال العام القادم، تتوقع "وود ماكنزي" نمو أرباح شركات الرعاية الصحية بمعدل نمو سنوي مركب تبلغ نسبته 7% خلال الفترة من 2022 إلى عام 2027.
وفي ظل الأداء القوي لسوق الأمريكية هذا العام، عدل المحللون توقعاتهم، خاصة بعد فوز المرشح الجمهوري "دونالد ترامب" في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث تشير توقعاتهم لارتفاع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 20% عند 7000 نقطة العام القادم.
وبشكل عام، تسود توقعات متفائلة لأداء السوق الأمريكية في 2025، حيث من المحتمل استمرار الانتعاش في قطاع الذكاء الاصطناعي وتراجع أسعار الفائدة، ولكن المحللون يؤكدون على ضرورة التعامل بحذر في ظل التوترات الجيوسياسية العالمية، والتي قد تتطلب تنويع الاستثمارات.