تواجه روسيا تحديات متزايدة في إدارة فائض إنتاج الغاز الطبيعي، مع استمرار الانخفاض الحاد في صادراتها إلى الأسواق الأوروبية، وهو ما يدفع موسكو للبحث عن استخدامات بديلة لهذا المورد الاستراتيجي، من بينها تزويد مراكز البيانات العاملة بتقنيات الذكاء الاصطناعي بالطاقة، في محاولة لتحويل الأزمة إلى فرصة استثمارية.
انخفاض غير مسبوق في صادرات الغاز الروسي
وفق تحليل نشرته وكالة "رويترز"، تراجعت صادرات شركة "غازبروم" الروسية من الغاز الطبيعي إلى أوروبا إلى نحو 32 مليار متر مكعب في عام 2024، مقارنة بذروتها التي بلغت ما بين 175 و180 مليار متر مكعب خلال عامي 2018 و2019.
ويُتوقع أن تشهد الصادرات مزيدًا من التراجع في عام 2025، في ظل توقف الإمدادات عبر الأراضي الأوكرانية نتيجة التوترات الجيوسياسية المستمرة والحرب الدائرة.
هذا الانخفاض الحاد في تدفقات الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى الغرب، تسبب في تخمة داخل السوق المحلي، وخصوصًا في المناطق الشمالية من روسيا، مما شكل عبئًا على البنية التحتية للقطاع وأجبر الحكومة الروسية على إعادة تقييم استراتيجيات تصدير وتوزيع الطاقة.
استخدامات بديلة قيد الدراسة
خلال مشاركته في منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي، صرّح "أليكسي تشيكونكوف"، وزير تنمية منطقة الشرق الأقصى والقطب الشمالي، أن روسيا تواجه فائضًا ملحوظًا في إنتاج الغاز، خصوصًا في المناطق الشمالية التي كانت تعتمد على تصدير كميات ضخمة إلى أوروبا يوميًا.
وأوضح تشيكونكوف أن نحو نصف مليار متر مكعب من الغاز كانت تُضخ يوميًا إلى الأسواق الغربية عبر خطوط الأنابيب، لكن مع توقف هذه العمليات، أصبحت إدارة هذا الفائض من أبرز التحديات الاقتصادية.
ولفت إلى أن المسألة باتت "شديدة الإلحاح"، وتتطلب تحركًا سريعًا من القطاعين العام والخاص لاستيعاب هذا الإنتاج الزائد.
التوجه نحو مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي
في إطار الجهود الرامية لإعادة توجيه استخدام الغاز، أشار المسؤول الروسي إلى أن هناك اهتمامًا متزايدًا من قبل كبار المستثمرين بقطاع الصناعات الكيماوية المرتبطة بالغاز، بما في ذلك تحويل الغاز إلى مواد وسيطة أو منتجات نهائية تُستخدم في الصناعة المحلية والتصدير.
كما أشار إلى فكرة استثمار الغاز في تشغيل مراكز البيانات الضخمة، لا سيما تلك المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، والتي تشهد نموًا هائلًا على مستوى العالم.
ويرى مراقبون أن هذا التوجه قد يمنح روسيا موطئ قدم في سوق الطاقة الرقمية، خاصة وأن هذه المراكز تتطلب كميات هائلة من الطاقة الكهربائية التي يمكن توليدها من الغاز الطبيعي.
تحديات وفرص
رغم هذه المقترحات الطموحة، إلا أن هناك عدة عقبات قد تواجه روسيا، من بينها ضعف البنية التحتية التكنولوجية في بعض المناطق، ومحدودية الاستثمارات الأجنبية نتيجة العقوبات الغربية، إلى جانب التحديات اللوجستية المتعلقة بتوصيل الغاز إلى مناطق بعيدة عن خطوط الأنابيب التقليدية.
مع ذلك، يرى محللون أن نجاح روسيا في تحويل الفائض إلى فرص صناعية، لا سيما في قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والصناعات الكيماوية، قد يخفف من الأثر الاقتصادي الناجم عن تراجع الصادرات، ويسهم في بناء اقتصاد أكثر تنوعًا في استخدامات الطاقة.