أعلن المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني عن تبني الصين سياسة نقدية "ميسرة" في عام 2025، وهو أول تخفيف من نوعه منذ نحو 14 عامًا. هذه الخطوة تأتي في إطار محاولات الحكومة الصينية تحفيز الاقتصاد بعد سنوات من التباطؤ. بالإضافة إلى السياسة النقدية، ستتبنى الصين أيضًا سياسة مالية استباقية لتعزيز النمو الاقتصادي، بما في ذلك إجراءات لدعم الطلب المحلي وتعزيز الاستهلاك. كما تعهدت الحكومة بتوسيع الدعم لقطاع العقارات والأسواق المالية، وهما القطاعان اللذان تأثرا بشكل كبير من تباطؤ النمو في السنوات الأخيرة.
من جهة أخرى، أعلنت السلطات الصينية عن استئناف بنك الصين الشعبي لشراء الذهب في نوفمبر 2024، وذلك بعد توقف دام ستة أشهر. وتعد الصين أكبر مشترٍ للذهب في العالم، وهذه الخطوة تهدف إلى تعزيز احتياطياتها من المعدن النفيس في وقت تسعى فيه الدول إلى تنويع احتياطياتها بعيدًا عن العملات الأجنبية. هذه العودة إلى شراء الذهب جاءت في وقت حاسم، حيث تسعى الصين للحد من اعتمادها على الدولار الأمريكي، وهو ما يعكس سياسة الصين المتزايدة نحو تعزيز استقلالها الاقتصادي والمالي.
فيما يتعلق بالقطاع التكنولوجي، أعلنت السلطات الصينية عن بدء تحقيق مع شركة "إنفيديا" الأمريكية، أحد أكبر الشركات المصنعة لرقائق أشباه الموصلات في العالم، بتهمة خرق قوانين مكافحة الاحتكار. هذا التحقيق يأتي بعد عدة أشهر من قرار مماثل من الحكومة الفرنسية، مما يبرز توتر العلاقات بين الصين والولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا. يأتي ذلك في وقت حساس بالنسبة للأسواق المالية، حيث يترقب المستثمرون في جميع أنحاء العالم تأثير هذه التحقيقات على الشركات التقنية الكبرى.
شهدت أسواق المال العالمية تقلبات حادة في أعقاب هذه الأخبار، خاصة في الولايات المتحدة، التي تترقب أيضًا نشر بيانات التضخم الرئيسية هذا الأسبوع. أدى هذا الترقب إلى تراجع حاد في الأسواق الأمريكية، حيث قاد قطاع التكنولوجيا الخسائر، خاصة بعد تراجع سهم "إنفيديا" الذي هبط بنسبة 2.57%. كما تراجع مؤشر ناسداك بنسبة 0.56%، مسجلًا أدنى مستوى له، في حين انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 0.23% ومؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.47%. هذه التحركات السلبية تأتي وسط حالة من الحذر بين المستثمرين الذين ينتظرون أيضًا قرارات السياسة النقدية المنتظرة من البنوك المركزية في كندا وأستراليا ومنطقة اليورو وسويسرا، مما يزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق.
من ناحية أخرى، شهدت أسواق الأسهم الصينية المدرجة في بورصة وول ستريت انتعاشًا ملحوظًا. حيث قفز سهم "علي بابا" بنسبة 9%، كما ارتفعت أسهم شركة "نيو" لصناعة السيارات الكهربائية الصينية بنسبة 12.8%. هذه الزيادة في أسهم الشركات الصينية تأتي في سياق التفاؤل بشأن سياسات التحفيز الصينية الجديدة، التي تهدف إلى دعم الاقتصاد المحلي. إضافة إلى ذلك، سجل سهم شركة "هيرشي" ارتفاعًا كبيرًا بنسبة 13.5% بعد التقارير الإعلامية التي أفادت بأن شركة "مونديليز" التابعة لـ "كادبوري" بصدد الاستحواذ عليها في صفقة تقدر قيمتها بنحو 50 مليار دولار.
رغم هذه المكاسب في بعض القطاعات، فإن السوق الأمريكية تأثرت بعدة عوامل رئيسية. ترقب بيانات التضخم الأمريكية وكذلك قرار الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة الأسبوع المقبل، شكل ضغطًا على المستثمرين، خاصة مع اشتعال التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط. هذه التوترات، إضافة إلى القلق بشأن الاقتصاد العالمي، دفعا العديد من المستثمرين إلى تقليل تعرضهم للأصول عالية المخاطر، وهو ما انعكس على أداء الأسواق الأمريكية بشكل عام.
في سياق آخر، يرى المحللون أن سياسة الصين الاقتصادية الميسرة قد تساهم في انتعاش النمو الاقتصادي العالمي، حيث تزداد توقعات تحسن الاقتصاد العالمي بفضل تدابير التحفيز الصينية. مع ذلك، تبقى الأسواق العالمية في حالة ترقب، حيث يراقب المستثمرون عن كثب التأثيرات المحتملة لهذه السياسات على الشركات الكبرى والاقتصاد العالمي ككل.