شهدت العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين تصعيدًا جديدًا بعد أن أعلنت بكين فرض عقوبات على ست شركات أمريكية، في خطوة تعكس استمرار التوترات بين الجانبين على الرغم من الاتصالات الدبلوماسية المتواصلة.ويأتي هذا القرار قبل القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ المقررة في كوريا الجنوبية نهاية أكتوبر، وهو ما يضفي أبعادًا سياسية واقتصادية أوسع على هذه الخطوة.وفقًا لبيان وزارة التجارة الصينية، فقد تم إدراج ثلاث شركات أمريكية ضمن "قائمة الكيانات غير الموثوقة"، وهي: Saronic Technologies المتخصصة في المركبات غير المأهولة، وAerkomm العاملة في تقنيات الأقمار الصناعية، وOceaneering International المتخصصة في الهندسة تحت البحر.ويترتب على هذا الإدراج منع هذه الشركات من ممارسة أي نشاط تجاري مع الصين، وذلك بسبب ما وصفته بكين بـ"تعاونها العسكري-التقني مع تايوان"، الذي اعتبرته تهديدًا مباشرًا لسيادتها وأمنها القومي.كما أضافت الصين ثلاث شركات أمريكية أخرى إلى قائمة قيود التصدير، بما يمنعها من الحصول على شحنات المواد "ذات الاستخدام المزدوج" التي يمكن استغلالها في التطبيقات المدنية والعسكرية معًا.وتشمل هذه الشركات Huntington Ingalls Industries لبناء السفن العسكرية، وPlanate Management Group المتخصصة في إدارة المرافق والهندسة، وGlobal Dimensions العاملة في مجال الاستخبارات.وأكدت بكين أن أنشطة هذه الشركات تشكل خطرًا على الأمن القومي الصيني ومصالحه الاستراتيجية.تأتي هذه الإجراءات في إطار سياسة الرد بالمثل التي تتبعها الصين، خاصة بعد القيود الأمريكية على شركاتها الكبرى مثل "هواوي" و"SMIC"، إضافة إلى القيود المفروضة على تصدير الرقائق الإلكترونية المتقدمة ومعدات تصنيع أشباه الموصلات.ويرى محللون أن بكين تسعى من خلال هذه العقوبات إلى توجيه رسالة مزدوجة: رفض أي تدخل خارجي في قضية تايوان من جهة، والتأكيد على استعدادها لاستخدام الأدوات الاقتصادية لحماية مصالحها الاستراتيجية من جهة أخرى.الانعكاسات الاقتصادية لهذه العقوبات تتجاوز حدود الشركات المستهدفة لتشمل الأسواق العالمية. ففي أسواق المال، غالبًا ما تدفع مثل هذه التطورات المستثمرين إلى التحوط عبر التوجه نحو الملاذات الآمنة مثل الذهب وسندات الخزانة الأمريكية، بينما تتعرض أسواق الأسهم، خاصة في قطاع التكنولوجيا والدفاع، لضغوط نتيجة المخاوف من اتساع نطاق العقوبات المتبادلة.على صعيد التجارة العالمية، فإن استهداف شركات متخصصة في التكنولوجيا والهندسة البحرية والأقمار الصناعية قد يغير من طبيعة التعاون الدولي في هذه المجالات.إذ من المرجح أن تبحث الشركات الأمريكية عن بدائل لسلاسل التوريد خارج الصين، في حين تسعى بكين لتعزيز شراكاتها مع دول أخرى لتقليل اعتمادها على التكنولوجيا الأمريكية. هذا التحول قد يؤدي إلى مزيد من تجزئة الاقتصاد العالمي وتباطؤ مسار العولمة التقليدية.كما أن استمرار هذه التوترات قد يؤثر على أسواق السلع الاستراتيجية مثل الطاقة والمعادن الصناعية، في ظل المخاوف من تباطؤ حركة التجارة العالمية والإنتاج الصناعي.وفي قطاع التكنولوجيا تحديدًا، قد يؤدي تقييد المواد "ذات الاستخدام المزدوج" إلى تعطيل إنتاج الرقائق وأشباه الموصلات، وهو ما قد يرفع أسعار المكونات التكنولوجية الحيوية عالميًا.وفي ضوء هذه التطورات، تزداد أهمية القمة المرتقبة بين ترامب وشي، حيث ينظر إليها كمحطة رئيسية لتحديد مسار العلاقات بين البلدين خلال الفترة المقبلة.إذ ستراقب الأسواق عن كثب أي مؤشرات على إمكانية التوصل إلى تفاهمات أو على الأقل وضع آليات لإدارة الخلافات، تفاديًا لتفاقم التوترات بشكل قد ينعكس سلبًا على الاقتصاد العالمي بأكمله.