
أوضح كبار مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، من بينهم جيف شميد، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي، ولوري لوجان، رئيسة بنك دالاس الفيدرالي، أن خفض أسعار الفائدة الذي أقره البنك المركزي هذا الأسبوع لم يكن القرار الأمثل في ظل المعطيات الاقتصادية الحالية.
وجاءت تصريحات المسؤولين لتسلط الضوء على التحديات التي تواجه السياسة النقدية في الولايات المتحدة، في ظل استمرار ضغوط التضخم، واستقرار سوق العمل، وتراجع بعض مؤشرات النشاط الاقتصادي في قطاعات معينة، إلى جانب التوترات العالمية التي تؤثر على الأسواق المالية والاقتصاد الأمريكي.
خلفية القرار وأسبابه
في اجتماع لجنة السوق المفتوحة للفيدرالي الأمريكي هذا الأسبوع، قرر البنك المركزي خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. الهدف من هذا الخفض كان دعم النمو الاقتصادي وتقليل تكاليف الاقتراض، خاصة بعد فترة من التشديد النقدي التي استهدفت احتواء التضخم المرتفع.
غير أن شميد اعتبر أن هذا القرار لم يكن ملائمًا تمامًا، مشيرًا إلى أنه كان يفضل الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، لأنه يرى أن سوق العمل لا يزال متوازنًا نسبيًا، بينما يمثل التضخم التحدي الأكبر.
وقال شميد في بيانه: "خفض أسعار الفائدة لن يقدم حلاً فعالًا لمشكلات سوق العمل، التي ترتبط بتغيرات هيكلية في التكنولوجيا والديموغرافيا. لكنه قد يترك تأثيرات طويلة الأمد على التضخم إذا شكك المستثمرون في التزام الفيدرالي بتحقيق هدفه البالغ 2%".
وأكد أن البيانات الاقتصادية الأخيرة تشير إلى استمرار انتشار الضغوط التضخمية على مختلف السلع والخدمات، وأن معدل التضخم بقي أعلى من المستوى المستهدف لأكثر من أربع سنوات.
التضخم وسوق العمل
التضخم في الولايات المتحدة ما زال يمثل أحد أكبر المخاطر التي تواجه الاقتصاد، ويعكس ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء والخدمات الضغوط المستمرة على قدرة الأسر والشركات على التكيف مع التكاليف المتزايدة.
وقد أظهرت بيانات حديثة أن مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع بنسبة 3.7% على أساس سنوي في الربع الثالث من عام 2025، وهو معدل أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.
من جهة أخرى، تظل مؤشرات سوق العمل قوية نسبيًا، حيث بلغ معدل البطالة 3.8% في سبتمبر 2025، فيما أظهرت بيانات الوظائف الشهرية أن الاقتصاد أضاف حوالي 180 ألف وظيفة جديدة، مع توازن نسبي في المشاركة العمالية والأجور.
ومع ذلك، يرى شميد ولوجان أن سوق العمل يواجه تغيرات هيكلية طويلة الأمد ناجمة عن التطورات التكنولوجية والتحولات الديموغرافية، ما يعني أن خفض الفائدة لن يكون كافيًا لمعالجة هذه المشكلات الجوهرية.
موقف لوري لوجان
في موقف مشابه، أعربت لوري لوجان عن تحفظها على خفض أسعار الفائدة. وقالت خلال مؤتمر نظمه البنك: "التضخم ما زال مرتفعًا ومن المرجح أن يبقى أعلى من هدف اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة عند 2% لفترة أطول مما ينبغي. سوق العمل لا يزال متوازنًا، لكنه يضعف ببطء، وأي خفض إضافي للفائدة لم يكن مبررًا في ضوء المعطيات الحالية".
وشددت لوجان على أهمية توخي الحذر في إدارة السياسة النقدية، قائلة إن القرارات المتسرعة قد تؤدي إلى تشجيع توقعات تضخمية أعلى بين المستثمرين والمستهلكين، مما يصعب السيطرة على الأسعار على المدى المتوسط والطويل.
السياق الاقتصادي العالمي
تأتي هذه التحذيرات وسط بيئة اقتصادية عالمية متقلبة، تشمل تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وأثر الحرب الروسية-الأوكرانية على أسواق الطاقة والسلع، بالإضافة إلى اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية.
وقد أظهرت تقارير دولية أن أسعار النفط والغاز شهدت تقلبات ملحوظة خلال الأشهر الأخيرة، ما انعكس مباشرة على تكاليف الإنتاج والأسعار المحلية في الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، ساهمت زيادة الإنفاق الاستهلاكي في شهري يوليو وأغسطس في دعم النمو الاقتصادي، حيث ارتفع إجمالي الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 2.3% على أساس ربع سنوي، وهو مؤشر على أن الطلب المحلي لا يزال قويًا رغم الضغوط التضخمية.
لكن الخبراء يشيرون إلى أن هذا النمو قد يكون محدود المدى إذا استمرت الأسعار في الارتفاع بوتيرة أسرع من الأجور.
التحليل الاقتصادي والتوقعات المستقبلية
خفض الفائدة بنسبة 25 نقطة أساس قد يكون له تأثير محدود على النشاط الاقتصادي، خاصة في القطاعات المرتبطة بالتمويل والاقتراض مثل الإسكان والاستثمار التجاري، لكنه يحمل مخاطر على المدى الطويل إذا أدى إلى تعزيز توقعات تضخمية أعلى بين الشركات والمستهلكين.
وأوضح المحللون أن استمرار التضخم فوق الهدف المستهدف قد يضطر الفيدرالي إلى العودة لرفع الفائدة مستقبلاً، مما يعقد التوازن بين دعم النمو والسيطرة على الأسعار.
تؤكد تصريحات شميد ولوجان على أن الفيدرالي الأمريكي يحتاج إلى اتباع سياسة نقدية متدرجة ومرنة، مع مراقبة دقيقة لمؤشرات التضخم وسوق العمل والنمو الاقتصادي.
وتشير التحليلات إلى أن الفيدرالي قد يعتمد على خفض تدريجي للفائدة فقط عند توافر بيانات واضحة على تباطؤ التضخم دون الإضرار بسوق العمل.






