رغم التهدئة المؤقتة في النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، لا تزال النظرة المستقبلية تجاه الدولار الأمريكي قاتمة، بحسب تقييمات بنك أوف أمريكا.
ويرى البنك أن الارتفاع الأخير في قيمة الدولار لا يعكس تحولًا جوهريًا في الاتجاه العام للعملة، بل يُعد انتعاشًا مؤقتًا تدعمه عوامل تكتيكية قصيرة الأجل، فيما تظل التحديات البنيوية قائمة وتضغط على العملة الأمريكية بشكل متزايد.
التوترات التجارية: توقف مؤقت لا أكثر
ونجحت الهدنة الأخيرة بين واشنطن وبكين في تقليص حدة التوترات التجارية، لكنها لم تُلغِ المخاطر المرتبطة بها. فالمشهد الجيوسياسي والاقتصادي العالمي لا يزال هشًا.
ويتوقع الخبراء عودة الاضطرابات في الأسواق خلال الأشهر المقبلة، لا سيما مع قرب انتهاء فترات الإعفاءات الجمركية، ما قد يعيد إشعال الصراع التجاري ويؤثر سلبًا على ثقة المستثمرين بالدولار الأمريكي.
تباطؤ اقتصادي وتراجع ثقة المستثمرين
الاقتصاد الأمريكي، الذي كان يشهد زخمًا قويًا قبل تفاقم التوترات التجارية، بدأ يُظهر علامات تباطؤ واضحة.
فقد تراجع حجم الاستثمارات، وانخفضت ثقة الشركات حيال المستقبل الاقتصادي، ما انعكس سلبًا على الأداء العام للأسواق.
ويأتي هذا التباطؤ في وقت حساس، حيث يشهد العالم تغيرات هيكلية في سلاسل التوريد وتوجهات النمو، مما يزيد من عبء التحديات أمام الدولار الأمريكي.
تقلص الحساب الجاري وتراجع تدفقات رؤوس الأموال
ومن أبرز العوامل التي تضغط على العملة الأمريكية تقلص فائض الحساب الجاري، وهو ما يُضعف من قدرة الاقتصاد على جذب رؤوس الأموال الأجنبية اللازمة لدعم الدولار.
ومع تقلص التدفقات الداخلة من الاستثمارات الأجنبية، تصبح العملة أكثر عرضة للتقلبات، ما يقلص جاذبيتها كملاذ آمن للمستثمرين الدوليين.
إعادة هيكلة المحافظ الاستثمارية وضغوط خارجية
كما بدأت المؤسسات الاستثمارية الكبرى تعيد تقييم محافظها في ظل المتغيرات الاقتصادية والمالية العالمية، ما أدى إلى تحولات واضحة في اتجاه رؤوس الأموال نحو أسواق بديلة.
ويؤدي هذا التحول إلى خروج تدريجي لرؤوس الأموال من السوق الأمريكية، ويُضيف طبقة جديدة من الضغوط على الدولار، خاصة في ظل ارتفاع مخاطر الدين العام وتراجع جاذبية السندات الأمريكية.
سياسات نقدية تميل نحو التيسير وضعف الدولار
اتجهت السياسة النقدية الأمريكية مؤخرًا إلى تبني أسعار فائدة منخفضة كوسيلة لدعم الاقتصاد، إلا أن هذه السياسة تُسهم في تقويض قوة الدولار على المدى الطويل.
كما أن بعض التوجهات السياسية والاقتصادية تشير إلى وجود رغبة ضمنية لدى صانعي القرار في الحفاظ على دولار ضعيف لتعزيز الصادرات وتقليل العجز التجاري، ما يُعزز من التوقعات بانخفاض طويل الأمد في قيمة العملة.
مستقبل غامض وسط عوامل هيكلية معقدة
تُجمع التحليلات الاقتصادية على أن الدولار يواجه مجموعة من التحديات الهيكلية المعقدة التي تُنذر بمزيد من عدم الاستقرار والتقلبات خلال المرحلة المقبلة.
ومع غياب حلول جذرية لتلك المشكلات، واستمرار حالة الضبابية السياسية والاقتصادية، يبقى الدولار في موقع هش، مهددًا بفقدان جزء من مكانته كعملة احتياط عالمية.
ورغم فترات التعافي المؤقتة، لا تزال المؤشرات الأساسية تشير إلى أن الدولار الأمريكي في طريقه إلى المزيد من التراجع على المدى المتوسط.
وتُحذر المؤسسات المالية الكبرى، وعلى رأسها بنك أوف أمريكا، من تجاهل العوامل الهيكلية المعقدة التي قد تُفضي إلى ضعف مستمر في العملة، ما يتطلب من المستثمرين وصناع السياسات الاستعداد لموجة جديدة من التغيرات في النظام المالي العالمي.