من أمريكا إلى آسيا: من يملك زمام الاقتصاد العالمي في 2026؟

من أمريكا إلى آسيا: من يملك زمام الاقتصاد العالمي في 2026؟

يدخل الاقتصاد العالمي عام 2026 محمّلًا بإرث ثقيل من السنوات السابقة. فالعالم لم يخرج بعد بشكل كامل من تداعيات جائحة كورونا، ولا من آثار موجة التضخم العالمية، ولا من تشديد نقدي كان الأوسع منذ عقود.

ومع ذلك، تسود قناعة متزايدة لدى كبرى المؤسسات المالية بأن السيناريو الأسوأ قد تم تجنبه، وأن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة تباطؤ منظم أكثر منها انهيارًا.

حيث ترسم التقارير الصادرة عن Fidelity وCiti وHSBC وS&P Global صورة لعالم اقتصادي يتحرك إلى الأمام بحذر. نمو موجود، لكن بلا اندفاع. فرص حقيقية، لكنها انتقائية. ومخاطر كامنة، قد تظهر من حيث لا تتوقع الأسواق.

المشهد العالمي: انتقال من نمو مدفوع بالسيولة إلى نمو مدفوع بالاستثمار الحقيقي

تشير معظم التقديرات إلى أن الاقتصاد العالمي سيحقق نموًا في 2026، لكن هذا النمو يختلف جذريًا في طبيعته عن النمو الذي شهده العالم خلال العقد الماضي.

لم تعد السياسات النقدية التيسيرية قادرة على لعب دور المنقذ، ولم تعد الحكومات تمتلك المساحة المالية ذاتها للتحفيز الواسع.

وتشير التقديرات إلى أن الاقتصاد العالمي سيحقق نموًا في 2026، لكن هذا النمو يختلف جوهريًا عن ذلك الذي عرفه العالم خلال العقد الماضي.

لم تعد السيولة الرخيصة هي الوقود الأساسي، ولم تعد الحكومات تمتلك المساحة المالية لإطلاق برامج تحفيز واسعة دون كلفة

هذا التحول يظهر عمليًا في طبيعة القرارات الاقتصادية: شركات صناعية كبرى توسّع مصانعها بدل الاعتماد على سلاسل توريد بعيدة، حكومات تموّل مشاريع نقل وطاقة تمتد لعقود، وبرامج دعم استهلاكي قصيرة الأجل تُستبدل باستثمارات بنية تحتية لا تعطي ثمارها سريعًا.

أبرز التوقعات:

* Citi يتوقع نموًا عالميًا عند 2.7%، وهو معدل يعكس اقتصادًا مستقرًا لكنه هش

* S&P تضع تقديرات أكثر تفاؤلًا عند 3.2% إلى 3.3% خلال 2026–2027

* مساهمة أقل من الولايات المتحدة وأوروبا

* مساهمة أكبر من آسيا والأسواق الناشئة

السمات العامة للمرحلة:

* نهاية واضحة لعصر الفائدة الصفرية

* سياسات نقدية أكثر حذرًا واستقلالية

* حساسية شديدة للأسواق تجاه أي صدمة سياسية أو تجارية

* انتقال التركيز من سرعة النمو إلى استدامته

الولايات المتحدة: قوة كامنة تقابلها قيود متزايدة

رغم كل الحديث عن التباطؤ، لا تزال الولايات المتحدة تمثل العمود الفقري للنظام المالي العالمي. لكن المؤسسات الكبرى تتفق على أن الاقتصاد الأمريكي في 2026 لن يكون بنفس الزخم الذي شهده في سنوات ما بعد الجائحة.

أمثلة على التحول: مصانع جديدة تُبنى في ولايات داخلية، بنوك إقليمية تستفيد من أسعار الفائدة المرتفعة، وشركات صغيرة في الخدمات اللوجستية والطاقة تحقق توسعًا مستقرًا بعيدًا عن ضجيج وسائل الإعلام، ما يعكس سوقًا أكثر اتزانًا.

رؤية Fidelity تعكس هذا التوازن:

* أرباح الشركات لا تزال متماسكة

* التخفيضات الضريبية التي أُقرت في 2025 بدأت تعزز هوامش الربح

* السياسة النقدية، رغم تشددها النسبي، لم تتحول إلى عامل خنق للنمو

الأهم في رؤية Fidelity هو التحول الهيكلي في مصادر النمو، حيث لم يعد النمو حكرًا على شركات التكنولوجيا العملاقةؤ بالإضافة إلى قطاعات كانت مهمشة نسبيًا تعود إلى الواجهة مثل: الصناعة، التمويل والشركات الصغيرة والمتوسطة.

تقييمات السوق الأمريكي: ثقة أم مبالغة؟

تظل مسألة التقييمات واحدة من أكثر النقاط إثارة للجدل في توقعات 2026. فالسوق الأمريكي، وفق معظم المقاييس، يبدو مرتفع السعر مقارنة بتاريخه.

أمثلة توضيحية: شركات ذات أرباح محدودة تُقيّم بناءً على توقعات مستقبلية، ومستثمرون مؤسساتيون يقبلون بعوائد أقل اليوم مقابل الحفاظ على مراكزهم، ما يجعل السوق حساسًا لأي خيبة أمل مفاجئة.

الانقسام في الرؤية واضح:

* Fidelity ترى أن السوق لا يسعّر الحاضر فقط، بل يسعّر مستقبل الأرباح

* Citi تحذّر من أن هذه التقييمات تقلص هامش الأمان وتحدّ من فرص الصعود

بناءً على ذلك، يتبنى Citi سيناريو نمو محدود للأسهم الأمريكية، مع توقعات بتحركات أفقية أكثر من كونها صعودًا حادًا.

سوق السندات: المؤشر الذي لا يخطئ غالبًا

في حين تتركز أنظار المستثمرين عادة على سوق الأسهم، تحذر Fidelity من أن الخطر الحقيقي قد يظهر أولًا في سوق السندات الحكومية.

أمثلة على ذلك: ارتفاع تدريجي في عوائد السندات يزيد كلفة تمويل المشاريع الحكومية، ويضغط على الميزانية الفيدرالية، ما يؤدي إلى إعادة تسعير قاسية للأصول الخطرة.

أهمية سوق السندات تنبع من عدة عوامل:

* مستويات الدين الأمريكي وصلت إلى مستويات تاريخية

* أي ارتفاع في العوائد يترجم فورًا إلى تكلفة تمويل أعلى

* ثقة المستثمرين في الدين السيادي هي حجر الأساس للاستقرار المالي

مستوى الخطر الذي تشير إليه Fidelity:

عائد 10 سنوات عند 5%، وهو مستوى قد يؤدي إلى:

* ضغط كبير على الميزانية الفيدرالية

* إعادة تسعير قاسية للأصول الخطرة

* تشديد مالي غير مباشر حتى دون رفع الفائدة

الدولار: عملة قوية في عالم يتغير

تتباين التوقعات بشأن مستقبل الدولار في 2026، ما يعكس حالة عدم اليقين العالمية.

أمثلة عملية: دول آسيوية تزيد احتياطياتها من الذهب، اتفاقيات تجارية تُسعّر بالعملات المحلية بدل الدولار، وشركات متعددة الجنسيات تقلل اعتمادها على التمويل بالدولار.

رؤية Fidelity:

* ضعف الدولار في 2025 ليس ظاهرة مؤقتة

* البنوك المركزية تقلل اعتمادها على الأصول الأمريكية

* العالم يتجه تدريجيًا نحو نظام اقتصادي متعدد الأقطاب

في المقابل، ترى Citi أن:

* الدولار قد يستعيد بعض قوته

* ضعف أوروبا النسبي يدعم العملة الأمريكية

* الفارق في النمو بين الولايات المتحدة وأوروبا لا يزال لصالح واشنطن

وترتب على ذلك، أنه سيكون سوق العملات أحد أكثر الأسواق تقلبًا، كما أن السياسة والجغرافيا السياسية قد تكونان العامل الحاسم أكثر من البيانات الاقتصادية.

الذكاء الاصطناعي: قصة نمو طويلة أم اختبار صبر قاسٍ؟

لا يمكن الحديث عن 2026 دون التوقف عند الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح المحرك الرئيسي للاستثمارات العالمية.

ومثال على ذلك، بأن بعض المصانع تستخدم أنظمة ذكية لتقليل الهدر ورفع الكفاءة، كما أن شركات خدمات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتسريع العمليات وخفض التكاليف، بالإضافة إلى أن البنوك تستخدم الخوارزميات لتحسين إدارة المخاطر.

عوامل تدعم التفاؤل:

* استخدامات حقيقية في الإنتاج والخدمات

* توسع غير مسبوق في مراكز البيانات

* طلب متزايد على الطاقة، الرقائق، والبنية التحتية الرقمية

لكن خلف هذا التفاؤل، تظهر تساؤلات جوهرية:

* متى تتحول هذه الاستثمارات إلى أرباح فعلية؟

* هل كل شركة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي ستنجح؟

* هل التقييمات سبقت الواقع الاقتصادي؟

آراء المؤسسات تعكس هذا الانقسام:

* Fidelity ترى أن الوضع لا يشبه فقاعة الإنترنت

* S&P تشكك في سرعة تحقيق العائد

* Citi تحذر من أي تراجع مفاجئ في الإنفاق الرأسمالي

HSBC: دورة استثمار رأسمالي تعيد تشكيل الاقتصاد

HSBC يقدّم رؤية مختلفة نسبيًا، تركز على الصورة الكبرى بدل التفاصيل قصيرة الأجل.

حيث أن الطلب المتزايد على العمالة الفنية والهندسية، مشاريع طاقة وبنية تحتية تغير شكل المدن، وزيادة الإنفاق الحكومي طويل الأجل بدل الدعم المؤقت.

وبحسب بيانات البنك فإن العالم يدخل دورة طويلة من الاستثمار الرأسمالي، هذه الدورة تقودها كل من:

مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي

إعادة توطين الصناعات

السعي للاستقلال الاستراتيجي في الطاقة والتكنولوجيا

القطاعات المرشحة للاستفادة:

* البنية التحتية

* الطاقة

* الصناعة الثقيلة

* الخدمات المالية

لكن HSBC يحذر من الاعتماد على قطاع واحد، مشددًا على أهمية التنويع كاستراتيجية أساسية.

الأسواق الناشئة: عودة القيادة بعد سنوات من التهميش

تتفق S&P ومعظم المؤسسات على أن مركز الثقل الاقتصادي العالمي يتحرك تدريجيًا نحو الأسواق الناشئة.

وفي الهند، النمو لا يظهر فقط في الأرقام بل في توسع المدن الثانوية، نمو الطبقة المتوسطة، وانتقال شركات عالمية لفتح مراكز إنتاج وخدمات.

في آسيا المتقدمة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، القوة تظهر في ربط التكنولوجيا بالتصنيع وسلاسل الإمداد.

الهند تمثل النموذج الأوضح وذلك بسبب ما يلي:

* نمو متوقع بين 6.5% و7%

* قاعدة سكانية شابة

* توسع صناعي وخدمي

* جذب متزايد للاستثمارات الأجنبية

الصين، رغم التعافي، تواجه واقعًا مختلفًا مثل:

* نمو عند 4.5%

* تحديات هيكلية في العقارات والاستهلاك

* انتقال صعب من نموذج استثماري إلى استهلاكي

آسيا المتقدمة تواجه:

* تفاؤل تجاه اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة

* بفضل التكنولوجيا وسلاسل الإمداد وإعادة توزيع التصنيع

أوروبا: الحلقة الأضعف نسبيًا

أوروبا تدخل 2026 وهي مثقلة بتحديات طويلة الأجل، حيث أن شركات طاقة متجددة في شمال أوروبا، مراكز مالية تستفيد من إعادة توزيع رؤوس الأموال، صناعات متخصصة عالية القيمة. الفرص موجودة، لكنها تتطلب انتقائية وصبرًا أكبر مثل:

* نمو منخفض

* شيخوخة سكانية

* ضغوط في قطاع الطاقة

ومع ذلك، لا تخلو الصورة من فرص انتقائية مثل:

* بريطانيا تحظى بنظرة أكثر إيجابية من Citi

* بعض اقتصادات شمال أوروبا قد تستفيد من التحول الصناعي

المخاطر التي قد تعيد خلط الأوراق

رغم الصورة المتوازنة نسبيًا، تحذر المؤسسات من مخاطر لا يمكن تجاهلها:

* تصعيد تجاري مفاجئ

* توترات جيوسياسية ممتدة

* مستويات ديون عالمية مرتفعة

* قطاعات معرضة لتخفيض تصنيف ائتماني

الخلاصة

عام 2026 يبدو عامًا انتقاليًا بامتياز. ليس عامًا للأزمات الكبرى، لكنه أيضًا ليس عامًا للمكاسب السهلة. إنه عام تتغير فيه مراكز القوة ببطء، وتُعاد فيه صياغة أولويات الاستثمار والاقتصاد العالمي، ويظهر أثر القرارات الطويلة الأجل في حياتنا اليومية.

أسئلة

هل تنجح الهند في الحفاظ على زخم النمو دون الوقوع في فخ التضخم؟

إلى أي مدى يمكن للااقتصاد الأمريكي تحمّل عبء الدين المتزايد؟

هل يثبت الذكاء الاصطناعي قدرته على توليد قيمة اقتصادية حقيقية؟

هل يكون سوق السندات الشرارة الأولى لأي أزمة قادمة؟

وهل يشهد العالم تحولًا دائمًا في مركز الثقل الاقتصادي نحو آسيا؟