
شهدت منطقة جنوب شرق آسيا سلسلة من التطورات السياسية والاقتصادية البارزة خلال الأيام الأخيرة، تزامناً مع زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العاصمة الماليزية كوالالمبور للمشاركة في قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).
فقد توصلت تايلاند وكمبوديا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يوم الأحد، بحضور ترامب الذي لعب دور الوسيط لإنهاء صراع حدودي استمر خمسة أيام وأسفر عن سقوط عدد من القتلى.
وجاء توقيع الاتفاق بعد فترة وجيزة من وصول الرئيس الأمريكي إلى القمة، في خطوة تعكس عودة واشنطن للعب دور فاعل في تهدئة النزاعات الإقليمية.
ويأتي الاتفاق بعد هدنة مؤقتة دامت ثلاثة أشهر، كانت قد نتجت عن اتصال أجراه ترامب بزعيمي البلدين طالب فيه بوقف الأعمال القتالية ملوحاً بتعليق المحادثات التجارية معهما في حال استمرار الصراع.
بالتوازي مع هذه التطورات السياسية، شهدت العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين تقدماً ملحوظاً، إذ أعلن نائب وزير التجارة الصيني وممثل الصين للتجارة الدولية، لي شينغانغ، أن الجانبين توصلا إلى "توافق أولي" لتسوية الخلافات التجارية بينهما، بعد يومين من المحادثات التي استضافتها كوالالمبور.
وأوضح أن المباحثات جرت في أجواء بنّاءة وأسفرت عن مناقشة حلول عملية للمسائل التي تثير قلق الطرفين، وذلك قبل أيام قليلة من اللقاء المرتقب بين الرئيسين دونالد ترامب وشي جينبينغ.
ويُنظر إلى هذا التفاهم المبدئي على أنه خطوة نحو تهدئة التوتر التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم، بعد فترة طويلة من تبادل الرسوم الجمركية والإجراءات الحمائية التي أثرت على سلاسل الإمداد العالمية.
وفي إطار زيارة ترامب أيضاً، أعلنت ماليزيا أنها تجري مفاوضات مع الولايات المتحدة لإعفاء صادراتها من الرقائق الإلكترونية من الرسوم الجمركية المفروضة من قبل واشنطن.
وقال وزير الاستثمار والتجارة والصناعة الماليزي زفرول عزيز في مقابلة مع بلومبيرج إن نسبة الرسوم حالياً "صفر" معرباً عن أمله في أن تبقى كذلك، مؤكداً أن السوق الأمريكية تُعد من أهم الشركاء التجاريين لبلاده.
وكانت ماليزيا قد خضعت سابقاً لرسوم جمركية بنسبة 19% على بعض صادراتها إلى الولايات المتحدة، فيما تدرس إدارة ترامب فرض رسوم قد تصل إلى 300% على أشباه الموصلات، وهي خطوة تثير قلق كوالالمبور التي تُعد سادس أكبر مصدر للرقائق الإلكترونية في العالم، بينما تأتي الولايات المتحدة كثالث أكبر سوق لصادراتها في هذا القطاع الحيوي.
وفي سياق متصل، أشار الوزير الماليزي إلى احتمال توقيع اتفاق جديد بين بلاده والولايات المتحدة بشأن المعادن الحيوية، على هامش قمة آسيان.
وقال إن الأمر وارد، في إشارة إلى إمكانية التوصل إلى تفاهم في هذا المجال خلال زيارة ترامب. وتعمل ماليزيا على تعزيز مكانتها في قطاع تعدين ومعالجة المعادن الأرضية النادرة، مستفيدة من الطلب العالمي المتنامي على هذه المواد التي تدخل في صناعة الأجهزة الإلكترونية والسيارات الكهربائية والتقنيات الخضراء مثل بطاريات الليثيوم.
وأكد زفرول أن بلاده ستواصل التعاون مع شركات من الصين واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة لتطوير هذا القطاع الاستراتيجي.
كما أعلن رئيس الوزراء أنور إبراهيم في وقت سابق من الشهر الجاري أن صندوق الثروة السيادي "خزانه ناسيونال" سيتعاون مع شركات عالمية لمعالجة المعادن النادرة في مراحل الإنتاج المتقدمة، في إطار خطة وطنية لتعزيز القيمة المضافة للصناعات الاستخراجية.
من الناحية الاقتصادية، كان لهذه التحركات أثر فوري على الأسواق المالية والإقليمية، فقد سجلت مؤشرات الأسهم في آسيا ارتفاعات محدودة مدفوعة بتفاؤل المستثمرين بشأن التهدئة في العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين، إلى جانب استقرار الأوضاع الجيوسياسية بعد توقيع اتفاق السلام بين تايلاند وكمبوديا.
كما شهدت أسهم شركات التكنولوجيا والرقائق الإلكترونية في ماليزيا وسنغافورة انتعاشاً ملحوظاً وسط توقعات بإلغاء أو تخفيف الرسوم الجمركية الأمريكية، ما يعزز من تنافسية القطاع في المنطقة.
وفي المقابل، شهد الدولار الأمريكي تقلبات طفيفة نتيجة الترقب لنتائج هذه المفاوضات وتأثيرها المحتمل على قرارات الاحتياطي الفيدرالي المقبلة.
ويرى محللون أن استمرار التفاهمات السياسية والاقتصادية بين واشنطن ودول آسيا قد ينعكس إيجاباً على ثقة المستثمرين ويحدّ من الضغوط على الأسواق الناشئة في المدى القريب.
تأتي هذه التطورات مجتمعة لتعكس مرحلة جديدة من الحراك السياسي والاقتصادي في جنوب شرق آسيا، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى ترسيخ حضورها في المنطقة من خلال الوساطة في النزاعات وتعزيز الشراكات الاقتصادية.
كما تظهر زيارة ترامب إلى كوالالمبور كمحطة محورية لإعادة صياغة العلاقات الأمريكية مع دول آسيان، في وقت تتزايد فيه أهمية المنطقة كأحد مراكز الثقل في الاقتصاد العالمي والتنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى.





