تراجع شهية المخاطرة في وول ستريت: نزوح جماعي من الأسهم وتحول استثماري نحو السندات وسط ضبابية اقتصادية

في أسبوع اتسم بالحذر والقلق، سجّلت الأسواق الأمريكية تحركات حادة في اتجاهات الاستثمار، وسط تصاعد المخاوف بشأن استمرار التضخم وعودة التوترات التجارية العالمية إلى الواجهة، لا سيما تلك المتعلقة بالرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين.

ودفعت هذه التحديات المستثمرين إلى إعادة هيكلة محافظهم الاستثمارية، وهو ما انعكس في عمليات سحب واسعة النطاق من صناديق الأسهم الأمريكية وتحول متسارع نحو أدوات الدين ذات العوائد الثابتة.

نزوح جماعي من صناديق الأسهم الأمريكية

وفقًا لبيانات مؤسسة "LSEG Lipper"، شهدت صناديق الأسهم الأمريكية سحبًا صافياً بلغ 11.75 مليار دولار خلال الأسبوع المنتهي في 16 يوليو، وهي أكبر موجة انسحاب أسبوعية منذ منتصف يونيو، لتنقلب بذلك دفة التدفقات الإيجابية التي استمرت لمدة أسبوعين متتاليين.

وكانت صناديق الأسهم الكبرى الأكثر تضررًا، إذ سجلت خروجًا لرؤوس أموال بقيمة 9.83 مليار دولار، في حين سحبت صناديق الأسهم المتوسطة والصغيرة نحو 2.07 مليار دولار و682 مليون دولار على التوالي، ما يعكس قلقًا متزايدًا من المستثمرين تجاه الأصول عالية المخاطر وسط بيئة اقتصادية تتسم بالغموض.

قطاعات استراتيجية تحت الضغط

الضغوط لم تتوقف عند مؤشرات السوق العامة، بل طالت أيضًا صناديق الاستثمار القطاعية التي شهدت سحبًا جماعيًا بلغ 948 مليون دولار.

قطاع الرعاية الصحية تصدّر قائمة النزيف بخسارة صافية قدرها 1.62 مليار دولار، وهو ما يُعزى إلى تراجع التوقعات بشأن إنفاق المستهلكين في ظل التضخم المرتفع.

كما تعرّض قطاع التكنولوجيا – الذي عادة ما يجذب المستثمرين الباحثين عن النمو – لتدفقات خارجة بقيمة 544 مليون دولار، في حين شهد قطاع الاتصالات انسحابًا بلغ 324 مليون دولار، مما يعكس ضعف ثقة المستثمرين حيال مستقبل الأرباح في ظل سياسة نقدية مشددة.

السندات.. وجهة المستثمرين الجديدة

على النقيض من ذلك، أظهرت صناديق السندات الأمريكية مرونة قوية، حيث اجتذبت صافي تدفقات إيجابية بقيمة 5.55 مليار دولار للأسبوع الثالث عشر على التوالي.

وتوزعت هذه الاستثمارات على صناديق الدخل الثابت الخاضعة للضريبة (1.16 مليار دولار)، وسندات قصيرة إلى متوسطة الأجل (863 مليون دولار)، وصناديق الحكومة والخزانة الأمريكية (763 مليون دولار).

مما يشير إلى تفضيل المستثمرين للاستقرار والعائد الثابت على المدى القصير والمتوسط، في ظل غموض مسار أسعار الفائدة.

أسواق النقد تتعرض لضغوط مفاجئة

رغم طابعها الدفاعي، واصلت صناديق أسواق النقد الأمريكية تسجيل تدفقات خارجة للأسبوع الثاني على التوالي، بصافي سحب بلغ 9.79 مليار دولار.

هذا التراجع يشير إلى تحوّل جزء من السيولة نحو أدوات أكثر فاعلية في مواجهة التضخم أو إلى استعداد المستثمرين للتحرك نحو استثمارات أكثر ديناميكية عند وضوح الرؤية المستقبلية.

مخاوف ممتدة ومراقبة دقيقة للسياسة النقدية

يعكس هذا التحول في التوجه الاستثماري مزاجًا متقلبًا لدى المستثمرين الذين يواجهون تحديات متعددة، منها ارتفاع أسعار السلع والخدمات، واستمرار الغموض بشأن توقيت بدء خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، إلى جانب التوترات التجارية التي تهدد بتقويض سلاسل التوريد العالمية.

كما أن ارتفاع عوائد السندات الحكومية زاد من جاذبية أدوات الدين مقارنة بالأسهم، مما دفع العديد من المستثمرين إلى تعديل مراكزهم لتقليل المخاطر.

ماذا بعد؟

تظل الصورة المستقبلية للأسواق غير واضحة، مع ترقب المستثمرين لتصريحات صناع السياسة النقدية، وصدور بيانات اقتصادية مفصلية مثل تقارير التضخم والنمو ومبيعات التجزئة.

في الوقت نفسه، فإن استمرار خروج الأموال من أسواق الأسهم يعزز احتمالية أن يتراجع الزخم الصعودي في البورصات الأمريكية خلال الأسابيع المقبلة، ما لم تظهر مؤشرات قوية على تهدئة التضخم وتحسن الظروف الجيوسياسية.

في ظل هذه المعطيات، تبدو الأسواق في حالة ترقب، حيث يتنازعها من جهة البحث عن استقرار وعوائد مضمونة، ومن جهة أخرى رغبة مكبوتة في استغلال فرص النمو عند اتضاح الرؤية الاقتصادية في النصف الثاني من العام.