شهدت الأسواق العالمية خلال الأسبوع الأخير من أغسطس حالة من التباين اللافت في توجهات المستثمرين، حيث تراجعت شهية الإقبال على صناديق الأسهم بشكل ملحوظ.
في حين واصلت صناديق السندات والذهب جذب تدفقات قوية، لتؤكد التحركات الأخيرة انتقال المزاج الاستثماري نحو الأصول الدفاعية وسط تصاعد المخاطر الاقتصادية والسياسية.
وفقًا لبيانات صادرة عن وحدة (LSEG Lipper) التابعة لبورصة لندن للأوراق المالية، بلغت التدفقات إلى صناديق الأسهم العالمية 2.96 مليار دولار فقط خلال الأسبوع المنتهي في 27 أغسطس، وهو أدنى مستوى منذ أوائل الشهر نفسه.
ويأتي هذا التراجع في ظل تصاعد المخاوف من تدخلات سياسية قد تقوض استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بعد الجدل الذي أثارته محاولات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإقالة أحد أعضاء المجلس، ما أضاف مزيدًا من عدم اليقين إلى المشهد النقدي.
على الصعيد الإقليمي، أظهرت البيانات تراجع الثقة في السوق الأوروبية بشكل حاد، حيث سجلت صناديق الأسهم الأوروبية تدفقات صافية بقيمة 876 مليون دولار فقط، مقابل 9.88 مليار دولار في الأسبوع السابق، وهو انعكاس مباشر للقلق بشأن تباطؤ النمو وغياب المحفزات الاقتصادية.
أما في الولايات المتحدة وآسيا، فبقيت التدفقات محدودة عند 571 مليون دولار و649 مليون دولار على التوالي، لتظل الأسواق الكبرى أسيرة حالة الحذر.
لكن وسط هذا التراجع العام، برزت بعض القطاعات كوجهات مفضلة للمستثمرين الباحثين عن فرص دفاعية أو قطاعات ذات زخم مستقبلي. فقد سجل القطاع المالي أعلى تدفقات منذ ثمانية أشهر بقيمة 1.52 مليار دولار، بدعم من استمرار توقعات الفائدة المرتفعة التي تزيد من ربحية البنوك وشركات الخدمات المالية.
كما واصل الذهب والمعادن النفيسة استقطاب الأموال، إذ جذبت الصناديق المرتبطة بها تدفقات بلغت 556 مليون دولار، مدفوعة بدورها كملاذ آمن في أوقات الضبابية.
أما قطاع التكنولوجيا، فحافظ على مكانته كمحرك استراتيجي للأسواق، حيث استقطب 553 مليون دولار، في إشارة إلى استمرار الرهان على النمو المستقبلي خصوصًا في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.
في المقابل، عكست صناديق السندات اتجاهًا أكثر وضوحًا نحو الاستقرار، إذ واصلت جذب رؤوس الأموال للأسبوع التاسع عشر على التوالي، محققة صافي تدفقات ضخم بلغ 14.42 مليار دولار.
وتوزعت هذه التدفقات على أدوات دين قصيرة الأجل بقيمة 2.59 مليار دولار، وسندات مقومة باليورو عند 2.37 مليار دولار، إضافة إلى سندات الشركات التي سجلت مشتريات بقيمة 1.77 مليار دولار.
هذا الاتجاه يعكس بحث المستثمرين عن العائد المضمون نسبيًا في ظل التذبذب الكبير بالأسهم.
أما صناديق أسواق النقد، فقد سجلت خروجًا قويًا بلغ 17.57 مليار دولار، لتنهي موجة شراء استمرت ثلاثة أسابيع متتالية، وهو ما يشير إلى أن المستثمرين بدأوا يتخلون عن الأدوات النقدية القصيرة الأجل لصالح استثمارات بديلة توفر فرصًا أكبر في بيئة مليئة بالتحديات.
وبالنسبة للأسواق الناشئة، فقد استمرت في مواجهة نزوح الاستثمارات، حيث شهدت صناديق الأسهم تدفقات خارجة بقيمة 310 ملايين دولار، وهو ثالث خروج أسبوعي خلال أربعة أسابيع، ما يعكس استمرار القلق من تباطؤ النمو وتذبذب العملات.
وعلى النقيض، تمكنت صناديق السندات في الأسواق الناشئة من استقطاب نحو 985 مليون دولار، ما يؤكد ميل المستثمرين نحو أدوات الدين حتى في البيئات الاقتصادية الأكثر خطورة.
تشير هذه التطورات مجتمعة إلى أن المشهد الاستثماري العالمي لا يزال يتسم بدرجة عالية من الحذر، حيث يفضل المستثمرون إعادة توزيع محافظهم بعيدًا عن الأسهم مرتفعة المخاطر، لصالح السندات والذهب والقطاعات المالية والتكنولوجية ذات الأساسيات القوية.
ومع استمرار الغموض بشأن مستقبل السياسات النقدية في الولايات المتحدة وأوروبا، يبدو أن اتجاه التدفقات نحو الأصول الدفاعية قد يستمر خلال الأسابيع المقبلة، في انتظار إشارات أوضح من البنوك المركزية حول مسار أسعار الفائدة والنمو الاقتصادي.