يُعد مضيق هرمز واحداً من أهم الممرات البحرية في العالم، ليس فقط لأنه يربط بين الخليج العربي وخليج عمان والمحيط الهندي، بل لأنه يعتبر الشريان الحيوي الذي تمر عبره إمدادات هائلة من الطاقة.
ووفقاً لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن ما يقارب ربع النفط المنقول بحرًا عالميًا، ونحو خمس تجارة الغاز الطبيعي المسال، يعبران هذا المضيق يوميًا. و
في ضوء التوترات المتصاعدة بين إيران والولايات المتحدة، يعود إلى الواجهة التساؤل الجوهري: ماذا لو قررت طهران بالفعل تنفيذ تهديدها بإغلاق المضيق؟
في أعقاب الضربات الأمريكية التي استهدفت منشآت نووية داخل إيران، أقر البرلمان الإيراني مبدئيًا مشروع قرار بإغلاق مضيق هرمز كإجراء انتقامي، بانتظار مصادقة المجلس الأعلى للأمن القومي في البلاد.
وهذه الخطوة، في حال تنفيذها فعلياً، قد تعيد رسم خريطة التجارة العالمية للطاقة بشكل فوري.
إغلاق المضيق، حتى إن كان مؤقتًا، سيعني وقف حركة الناقلات الضخمة المحملة بالنفط والغاز المتجهة إلى كبرى الأسواق المستهلكة، وعلى رأسها الصين، الهند، كوريا الجنوبية، واليابان.
وتشير بيانات عام 2024 إلى أن ما يزيد عن 80% من صادرات النفط والغاز المارة عبر المضيق كانت موجهة إلى دول آسيوية، في حين استحوذت الصين وحدها على ما يقرب من 38% من هذه الكمية في الربع الأول من عام 2025.
وفي حال توقف الحركة في المضيق، فإن أسعار النفط قد تقفز سريعًا إلى مستويات تتجاوز 120 دولارًا للبرميل، بل قد تتخطى حاجز 150 دولارًا إذا طال أمد الإغلاق، وذلك بحسب تقديرات عدد من الخبراء.
أما أسواق الغاز الطبيعي المسال، التي تشهد بالفعل حالة من الشح النسبي، فستتأثر بشكل حاد، ما قد يؤدي إلى ارتفاعات حادة في فواتير الطاقة العالمية، ويهدد بإعادة إشعال أزمة تضخم في الاقتصادات النامية والمتقدمة على حد سواء.
من جهة أخرى، ستتأثر الدول التي لا تمتلك احتياطيات استراتيجية كافية لتغطية استهلاكها المحلي، مثل الهند وعدد من دول جنوب شرق آسيا، بصورة مباشرة، ما سيدفعها إما للبحث عن بدائل أكثر تكلفة، أو الدخول في مزايدات للحصول على الشحنات المتاحة من مناطق أخرى مثل غرب إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
ورغم أن بعض المحللين يرون أن تهديدات إيران بإغلاق المضيق تحمل طابعاً دعائياً أكثر من كونها نية حقيقية، إلا أن الوضع الحالي أكثر حساسية من المرات السابقة، حيث يشهد الإقليم تصعيدًا غير مسبوق في التوتر العسكري، ما يرفع من احتمالية تنفيذ إجراءات أكثر حدة.
الإدارة الأمريكية، من جانبها، ردت بتحذيرات شديدة اللهجة، إذ اعتبر وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، أن أي تحرك إيراني لتعطيل الملاحة في المضيق سيكون بمثابة "انتحار اقتصادي" وخطأ استراتيجي فادح.
كما طالب بكين وهي الشريك التجاري الأكبر لإيران والمستفيد الأكبر من نفط المنطقة باستخدام نفوذها للضغط على طهران من أجل تجنب تلك الخطوة.
وفي حال أقدمت إيران على تنفيذ التهديد، من المرجح أن ترد الولايات المتحدة بقوة عسكرية لفتح الممر وتأمين الملاحة، كما قد تشهد المنطقة تدخلاً دوليًا موسعًا بقيادة بحرية من دول كبرى لحماية حركة التجارة العالمية.
وقد يؤدي هذا السيناريو إلى انزلاق المنطقة نحو مواجهة أوسع يصعب التنبؤ بتداعياتها، ليس فقط على سوق الطاقة، بل على الأمن العالمي والاستقرار الاقتصادي.
ختامًا، يبقى احتمال الإغلاق الكامل للمضيق ضعيفًا لكنه غير مستبعد، وقد يعتمد تنفيذه على عدة عوامل داخلية وخارجية، منها مدى وحدة الموقف الإيراني، وحجم الضغوط الدولية، ورد فعل واشنطن.
ومع ذلك، فإن مجرد التلويح بهذا الخيار يكفي لزرع القلق في الأسواق، ودفعها إلى التعامل مع سيناريوهات طارئة قد تغير موازين الاقتصاد العالمي خلال فترة وجيزة.